قراءة الدكتور خليل عبد القادر عيسى
جامعة بيت لحم
رضوى عاشور
رسمت رضوى عاشور لوحة روائية لموسى بن أبي الغسان في روايتها "ثلاثية غرناطة"، لكنَّها لوحة باهتة الملامح، مطموسة الألوان، رغم بعض الإضاءات هنا وهناك، وتبدأ عاشور رسم لوحتها من الشائعات والأخبار عن غرق موسى بن أبي الغسان في نهر شنيل، حيث تفقد مدينة غرناطة توازنها لهذا الخبر، فدوَّامات نهر شنيل ابتلعت هذا الأمل الباقي.
ثم يظهر موسى بن أبي الغسان فجأةً ليرفُضَ المعاهدةَ التي عقدها أمير غرناطة أبو عبد الله الصغير مع فرنديناد وإيزابيلا، وليقرِّرَ مُقاتلةَ القشتاليين في مواجهة، هي في نظر خصومه، مَهْلَكَةٌ وحُمْقٌ، ولا قبل لأهل غرناطة بها، لكنَّه يُصرُّ على المواجهة حتى إذا أُثخِن بالجراح ألقى بنفسه في نهر شنيل حتى لا يترك لأعدائه فرصة للنيل منه، فـ "بيدي لا بيد عمرو".
ثم تعود رضوى عاشور لتلفَّ مصير موسى ابن أبي الغسان بالغموض، فتبين أنَّه غَرِق في نهر شنيل، أو قُتِل بأمر من أبي عبد الله الصغير للتخلُّص من معارضته لمعاهدته مع فرديناند وإيزابيلا، أو اختفى وراء الجبال يستعد لمواجهة أخرى، وتبين أنه لم يُقتل ولم يَغرق ، فتركت رضوى عاشور الأبواب مفتوحة على مصاريعها ، وكأنَّها لا تحفل بأمر موته إذا ما قيس ذلك بتهاوي غرناطة.
فريق المنهزمين رأوا في المعاهدة شر لا بد منه، ومقاتلة موسى بن أبي الغسان عَبثٌ؛ فهو لا يملك ما يواجه به جيوش القشتاليين الجرَّارة، وعلى رأسها فرديناند وإيزابيلا، ويشكرون الله إذ أماته فأراح واستراح.
أما فريق أصحاب العزيمة والإرادة فرأوا في موسى بن أبي الغسان المقاتل العنيد الذي سيقف خلف العدو القشتالي وخلفه الرافضون للذل والعبودية.
عدوان عدوان
رسم عدوان عدوان موسى بن أبي الغسان لوحة ملونة زاهية، تجمع بين بطولة القائد العظيم ورقة قلب المحب، فهو فارس مقاتل تثق به الناس، وكفاءته، باعتراف غريمه وعدوه اللدود أبي عبد الله الصغير، تعادل كفاءة مملكة بكاملها، لكنَّه، وبنظر أبي عبد الله الصغير أيضاً، ورغم فروسيته الطاغية، لعين، يفوق الشيطان، وقح وخائن، إذ يقيم علاقة غير شرعية مع زينة العاشقين ابنة أخت الأمير أبي عبد الله الصغير في قصره، مستغلاً مكانة والده في القصر حيث قدَّم خدمات جليلة للأمير، لم يكن من خيار أمام أبي عبد الله الصغير إلا الاكتفاء بسجن موسى بن أبي الغسان وتجريده من رتبته، ثم لم يكن من بدِّ أمام أبي عبد الله الصغير، لاحقاً، إلا التَّغاضي عما اتُّهم به موسى ابن أبي الغسان وإطلاق سراحه من السجن، وقد استفحل أمر المتمرد "بزمط" على السلطان وسلطته والمتنفذين معه والمتطفلين المتكسبين برفقته.
موسى بن أبي الغسان رجل مهيب الجانب، مفتول العضلات، طويل القامة، بين جنبيه عواطف جياشة لأبيه، جَلْد لا يبكي وهو يرى بأم عينيه أباه يفارق الحياة، أباه الذي علَّمه الفروسية وأركبه، وهو بَعدُ صغير السِّنِّ، نمراً ليروَّضه فيروِّض الأعداء بعده.
وبين جنبيه قلب رقيق، يذوب في العشق، ويتهاوى أمام الحب، حين يقع في حب الزَّنبقة السوداء، المقاتلة العنيدة الملثمة فكتوريا وقد أرادت قتله، لكنَّه تعلَّم فنَّ الترويض فروَّضها، فوقعت في شراك حبِّه، جمعهما الحب بعد أن كان العداء والجفاء، وفرق حبَّهما صفقة تبادل أسرى بين الغرناطيين والقشتاليين حيث يرحل قلب ابن أبي الغسان معها، وتنقبض الدنيا في وجهه.
رضوى وعدوان حيث يتفقان ويختلفان
يتفقان
يتفقان في بطولة موسى ابن أبي الغسان وشجاعته واستبساله.
ويتفقان في رفضه لمعاهدة أبي عبد الله الصغير مع فرديناند وإيزابيلا.
يختلفان
هو عند رضوى مقاتل شديد البأس لا غير.
وهو عند عدوان مقاتل بقلب لا يعرف الخوف، وبقلب يذوب في الحب والعشق.
هو عند رضوى بطل عابر من أبطال الرواية، لا يخطف الإضاءة إلا قليلا.
وهو عند عدوان يسرق الأضواء في كل مكان وزمان يكون فيه.
هو عند رضوى ينتهي حينما يموت.
وهو عند عدوان يتناسخ، يتجسد في أبطال آخرين، في كل مرحلةٍ قاتمةٍ سوداءَ تجده أو تجد شبيهه، فهو لا يموت.