أحرار للأسرى وحقوق الإنسان – محمود مطر - مُكرَها غادر جامعته ولم يرجع إلى مقاعد الدراسة منذ اعتقاله قبل عشرة شهور من منزله في مدينة نابلس، ليتوقف الزمن هناك معلنا عن تأجيل حلم لطالما تمنى تحقيقه وهو أن يصبح مهندسا، حلم ربما أراد من خلاله الإسهام في بناء وطن أنهكه الاحتلال، ودمره جيشه الذي يمضي نحو المزيد من التخريب والدمار.
هو طالب جامعي كان يتحضر لإنهاء حياته الجامعية في فصله الدراسي الأخير قبل التخرج من جامعة النجاح الوطنية في نابلس بتخصص هندسة مدنية، وكان يستعد لمرحلة جديدة في حياته، لكن الاحتلال سرعان ما انقض على حلمه مجهضا فرحة كادت أن تولد في منزل الأسير منتصر مصطفى الشنار (24 عاما).
اقتحم الاحتلال منزله في نابلس ضمن حملة إعتقالات شعواء نفذها في مختلف مدن الضفة الغربية بعد حادثة خطف وقتل ثلاثة مستوطنين في الخليل، واعتقله بتاريخ الثالث والعشرين من شهر تموز 2014، تاركا فراغا عميقا في عائلة مكونة من ستة أبناء بالإضافة للأب والأم.
منتصرهو الأسير ابن الأسير، فوالده الأكاديمي المحاضر في جامعة النجاح الوطنية د.مصطفى الشنار سبق وأن خاض تجربة الأسر تسع مرات بعضها لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، كذلك منتصر الذي يعد هذا الاعتقال هو الثاني في حياته.
يقول د.مصطفى الشنار في حديثه لمركز "أحرار" للأسرى وحقوق الإنسان موضحا أثر اعتقال نجله على العائلة برمتها:" لا تتخيل كم هو الفراغ الذي تركه في البيت خاصة أنه الإبن البكر، فقد حمل المسؤولية من بعدي في فترات غيابي القسري عن المنزل لسنوات"، ويضيف: ابني منتصر دمث الخلق وعنصر تجميع دائما، بار وواصل لأرحامه وأصدقائه.
إلى جانب ذلك الفراغ الذي خلفه الاعتقال على عائلة الشنار، يحرم الاحتلال جميع أخوة وأخوات منتصر من زيارته، ويمنع والده بالمطلق من ذلك بحجج أمنية، ولم يسمح لوالدته منذ اعتقاله بزيارته إلا لمرة واحدة فقط في العام أيضا لذات السبب الأمني، الذي يتذرع بها الاحتلال دوما في تبرير حرمان الأسرى الفلسطينيين من الزيارة.
وتتمكن "بتول" إحدى شقيقات الأسير من زيارته فقط من بين كل أفراد الأسرة، وتضطر وقت الزيارة لترك طفلها الرضيع والتوجه نحو المعتقلات لرؤية من غيبتهم قضبان السجون خلف أسوار القهر.
سيأتي شهر رمضان لهذا العام دون أن يتمكن منتصر من الإستئناس والجلوس على مائدة الإفطار مع عائلته، وستحرم عائلته من الإستمتاع بعيد الفطر كما يجب، فالأسير منتصر القابع في سجن "مجدو" يقضي حكما بالسجن لمدة أربعة عشر شهرا، بالإضافة لوقف تنفيذ لثمانية عشر شهرا لمدة خمسة أعوام، ويتهمه الاحتلال بنشاطه الطلابي في صفوف الكتلة الإسلامية في جامعته.
لم يكن الأسر بالنسبة للأسير منتصر مجرد أيام تمر وتمضي قبل تحرره، ولكنه كما باقي الأسرى الذين أبدعوا في تحويل تلك السجون لمقرات يولد منها فكرا نيرا، وتبني جيلا واعيا بأهمية قضيته وخطورة ما يكاد لهذه الأمة.
فقد نجح منتصر باستغلال وقته داخل محبسه بالقراءة والتعلم، وقد حصل مؤخرا على السند المتصل في القرآن الكريم على يد الأسير المحرر الشيخ فتحي العتوم من جنين، وبالإضافة لذلك يمضي وقته داخل الأسر في خدمة إخوانه الأسرى قائما على حاجاتهم، كيف لا وهو من تميز بالأدب والخلق والإيثار كما يقول والده في حديثه لمركز "أحرار" للأسرى وحقوق الإنسان.
ينظرالأب الحاني لمستقبل ابنه الأسير بشيء من القلق لتأخره عن التخرج وتحقيق ما يصبو إليه، إذ كان منتصر يطمح لإكمال الدراسات العليا، ويقول في ذلك:" الاعتقال موت يوقف حياة الانسان وعجلة تطورها، فقد أوقف الاحتلال تخرج منتصر وعرقل تحقيق أحلامه بالسفر للخارج لإكمال دراسته العليا، فكل أبناء جيله تخرجوا تقريبا والعديد منهم يعمل أو يكمل دراسته العليا".
لكن والد منتصر يوقن أن في الحياة مقاييس أخرى يسير عليها الإنسان، ويتمنى لابنه الحرية وإكمال مسيرة حياته التي بدأها بالعلم، وبشيء من قسوة الأسر التي تعطي دروسا لا تقل فائدة عن الدروس المكتسبة في الجامعات وصروح العلم.
ولطبيعة الحرص الذي يكنه والد منتصر لابنه، لم ينس أن يبعث له برسالة يحثه فيها ألا يترك دقيقة من عمره تمر دون فائدة، أو تحصيل علم أو اكتساب معرفة جديدة داخل الأسر.
مدير مركز "أحرار" الحقوقي فؤاد الخفش أكد بدوره أن الاحتلال يعي جيدا أهمية العنصر الشبابي الفلسطيني، ويدرك حجم الدور الذي تلعبه الجامعات الفلسطينية بصقل الطلبة وتفعيل دورهم في المجتمع، ومن أجل ذلك فهو يستهدف الطلبة الجامعيين بالاعتقال المرة تلو المرة، مساهما بشكل مقصود بعرقلة مسيرة حياتهم.