بقلم: أيمن هشام عزريل
اليمن وعبر تاريخه الطويل، والمعاصر، شأنه شأن باقي الدول العربية هيمنت عليه تحالفات وقوى خارجية، كان هدفها سلب مقدرات ذلك البلد، وإرثه التاريخي، خرجت أصوات شعبه تطالب بالحرية، والاستقلال، والمستقبل، والوحدة، بعد انقسام طال وقتاً طويلاً، أحدهما شمالي، والآخر جنوبي، لأن طبيعة السياسة التي يشهدها اليمن عبر تاريخه السياسي، ومع ما ينطوي على الحياة السياسية من قوى، وأحزاب، بدأت تأخذ بعداً مختلفاً فرضتها ظروف التقسيم على تلك المسيرة، ودور الحركات الوطنية، حيث كان لكل من شمال اليمن، وجنوبه نطاقه الجغرافي، وحدوده السياسية، ونظامه السياسي، وبنيته الاقتصادية، كما لطبيعة النظامين في كلا الشطرين أجندة مختلفة عن الأخرى في الخصائص السياسية، والجذور الفكرية، والأيديولوجية، والتطلعات السياسية، قبل أن تتهيأ الأوضاع لتحقيق، وحدته الاندماجية.
والسياسية اليمنية في الشمال كذلك الحال في الجنوب تتأثر، بالتوازنات الإقليمية، والدولية، التي أفرزها الواقع الدولي، وخصوصاً اعتبارات بعض القوى الفاعلة في إقليم الخليج والجزيرة العربية، وما فرضته الأحداث، والتحولات السياسية الكبرى، التي شهدتها حقبة ما بعد الحرب الباردة من حقائق، ومعطيات جديدة كانت لها أثارها العكسية على الساحة السياسية في تلك المنطقة، والتي تمثلت بظهور حراك سياسي اجتماعي، فضلاً عن دور المنظمة الدولية في إقرار مبدأ التدخل الإنساني مطلع تسعينيات القرن الماضي، إذ أضحت قضية الديمقراطية، وحقوق الإنسان، مبدأ مهم من مبادئ القانون الدولي، والدعوة إلى التحديث، والإصلاح السياسي.
ومنذ قيام الوحدة بين الدولتين عام ١٩٩٠، وما تلاه من تعديلات دستورية في البلاد، كانت نقطة تحول في الحياة اليمنية السياسية، إذ بدأت الحركات الوطنية في البلاد باتجاه الاقتراب من التعددية، والمشاركة السياسية، والذي تعزز فعلياً، ودستورياً من خلال صدور دستور واحد للدولة، وإقرار قانون القوى السياسية في إطارها، وإجراء أول انتخابات رئاسية، وبرلمانية نقلت البلاد من نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية، والسياسية، ثم واجهت دولة الوحدة تحديات جديدة في السنوات اللاحقة أملتها ظروف داخلية تمثلت بصراع الشركاء السياسيين على السلطة، وأخرى خارجية تمثلت بطبيعة التوازنات الإقليمية، والدولية، والتي ألقت بظلالها على الحياة السياسية برمتها، وكادت أن تعصف بالتجربة الديمقراطية، وبالتعددية السياسية، وحتى بتجربة الوحدة التي ولدت من خلالها تلك التجربة.
وقد كان العامل الخارجي المتمثل بالدور الأمريكي حاضراً في التطورات السياسية التي جرت في اليمن في السنوات الأخيرة، وتبدو تجليات ذلك في حالة الحرج التي بدت على صانع القرار الأمريكي في اختلال المعادلة السياسية في هذا البلد نتيجة الضغوط التي أملتها معادلات الربح والخسارة في إطار منظومة المبادئ من جهة، والمصالح من جهة أخرى في التعاطي مع نظام الرئيس صالح المتمسك بالسلطة من جهة، والمعارضة المتمثلة بأغلب أطراف جبهة اللقاء المشترك الساعية لإزاحة الرئيس صالح عن السلطة من جهة أخرى.
إن النقلة النوعية في حياة اليمن السياسية تزامنت مع إعلان دولة الوحدة، وهي الأخرى جاءت بفعل متغيرات إقليمية وداخلية عجلت من قيامها، إذ سجل إعلان الوحدة انعطافة تاريخية باتجاه تطبيع الديمقراطية، والمشاركة السياسية، وإن الانتخابات البرلمانية التي جرت خلال المرحلة الماضية قد أسهمت في انتهاء حكم الحزبين الحاكمين (المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي).. وبذلك يدخل اليمن أول مرة في تاريخه السياسي مرحلة التعددية الحزبية، وقد تعزز ذلك من الناحية الفعلية، والدستورية من خلال صدور دستور دولة الوحدة، الذي منح حق التنظيم السياسي، وحق الأحزاب، والتنظيمات السياسية ممارسة نشاطها إلى جانب الحزبين الحاكمين ثم صدور قانون الانتخابات البرلمانية الذي أقر عام ١٩٩٢، وإجراء أول انتخابات عام ١٩٩٣، تلتها انتخابات عام ١٩٩٧، النيابية بعد إنهاء الحركة الانفصالية التـي فجرها قادة الجنوب عام ١٩٩٤، ثم انتخابات عام ١٩٩٩، تلتها الانتخابات الرئاسية، وكان آخرها انتخابات عام ٢٠٠٦، الرئاسية التي فاز فيها الرئيس علي عبد الله صالح.
إن المتغيرات، والأحداث التي شهدها النظام السياسي الدولي منذ نهاية عقد الثمانينيات نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي، وكتلتـه الشـرقية–بآثارها السلبية، والإيجابية على شطري اليمن، قد عجلت من قيام دولة الوحدة التي بدأت إرهاصاتها الأولى مطلع سبعينيات القرن الماضي بين مد وجزر، تلك الوحدة فضل خيار الديمقراطية، والمشاركة السياسية موحداً سياسياً التي صنعت نظاماً إذعاناً لمتطلبات الوضع السياسي الدولي، وركوب موجة الديمقراطية التي عمت مناطق كثير ة من العالم الثالث.
ناهيك عن طبيعة التفاعلات العربية، والتوازنات الإقليمية المطلوبة في النظام الإقليمي العربي، لابد وأن تدفع باتجاه قيام الوحدة اليمنية، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن قادة اليمن الجنوبي أصبحوا خارج تلك التفاعلات مما ولّد الشعور بالعزلة بعد أن فقدوا سندهم الدولي الاتحاد السوفياتي.. مفضلين خيار الانضمام إلى دولة الوحدة.
غير أن اليمن في الوقت الراهن يعيش تحت وطأة أزمات داخلية، وصراعات سياسية من نوع آخر منذ عام ٢٠٠٤، تلك الأزمات التي قد تعصف بوحدته، واستقراره بدءاً بالصراع العسكري الذي يدور بين الحكومة اليمنية، والحوثيين بالحراك السياسي في الجنوب، وسعي بعض قياداته للانفصال عن الشمال، وانتهاءاً بالأزمة الأخطر، المتمثلة بعودة الجماعات المسلحة، التي صعدت من عملياتها منذ عام ٢٠٠٠، بالهجوم على المدمرة (كول) الأمريكية، حتى وصل الحال إلى حد إعلان اليمن مقراً لقيادة تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.
إن التمرد الذي يجري في الشمال، والحراك السياسي في الجنوب، ما كان ليفعل فعله لولا وجود دعم، وتأييد خارجي من قوى إقليمية، ودولية لها أجنداتها المختلفة، ساهمت في إثارتها بين الحين والآخر، ولاسيما الصراع الدائر مع الحوثيين..وفي مقدمة هذه القوى دون شك–إيران، والولايات المتحدة، والسعودية، ومعها دول الخليج العربي–في إطار صراع المصالح الدائر بين تلك القوى، مما سيلقي بظلاله في المستقبل المنظور على الحياة السياسية اليمنية.