بقلم عيسى قراقع
رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين
بعد 56 يوما من الاضراب المفتوح عن الطعام ضد اعتقاله الاداري التعسفي، خضعت ادارة سجون الاحتلال والاجهزة الامنية في اسرائيل لمطلب الاسير خضر عدنان، بالغاء اعتقاله الاداري والافراج عنه بتاريخ 12/7/2015.
الذي فاجأ النيابة العسكرية الاسرائيلية وجهاز المخابرات بعد موافقتهم على عدم تجديد اعتقاله الاداري، هو اصرار الاسير خضر عدنان على الافراج عنه قبل عيد الفطر المبارك ، وفي ليلة القدر التي تحل في العشر الاواخر من شهر رمضان الفضيل.
المفاوضات جرت حول ليلة القدر التي اراد فيها خضر عدنان ان ينزل عن سماء جوعه المفتوح الى الارض، في صحبة الملائكة والآيات والروح فيها، محررا من قيوده وآلامه، متكئا على عكازة الارادة والامل.
هي ملحمة اخرى من ملاحم التصدي لسياسة الاعتقال الاداري التي طالت الآلاف من الاسرى، واصبحت سياسة منهجية تعسفية وانتقامية تمارسها سلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني،و ما بين اضرابات فردية وجماعية وصل الموت الى ذروته، ولكنه لم يحرك في الاحياء وفي العالمين ضميرا او موقفا، ويضع حدا لهذا القانون الجائر والمخالف للقوانين الدولية والانسانية.
العشرات من الاسرى الاداريين قضوا اكثر من عشر سنوات من اعمارهم في الاعتقال الاداري، لا يعرفون اسباب اعتقالهم، ولا يدرون متى سيفرج عنهم، هم في المدى المفتوح على كل الاحتمالات التي تتحكم بها الاجهزة الامنية الاسرائيلية وما يسمى الملفات السرية ، في ظل غياب المحاكمات العادلة.
الاسرى اطلقوا على الاعتقال الاداري ( المؤبد الاداري)، انتظروا طويلا في السجن، وانتظرت عائلاتهم واطفالهم، وفي اللحظة المامولة وعلى بوابة الحرية المجزوءة يجدد الاعتقال بقرار عابر وسريع، لأن هذا الاسير يشكل خطرا كبيرا على دولة اسرائيل النووية، المتضخمة عسكريا، والفائضة حربا وعدوانا.
هي ليلة القدر موعدي مع حريتي، قال الاسير خضر عدنان وهو يتقيأ الدم ويصارع الموت في اللحظات الصعبة، مربوطا على سرير مستشفى (اساف هروفيه) الاسرائيلي، ينتظر السجانون والاطباء موته في اي لحظة، تحيط به طواقم الصليب الاحمر الدولي، جسد يذوب،وخفقات قلب تدق ببطء في فضاء السجون الباردة.
هي ليلة القدر، الليلة المباركة، خير الليالي، الليلة التي اختصها الله عز وجل من بين كل الليالي، ليلة العبادة وانتصار المؤمنين بالحق، والمناضلين من اجل الحرية والكرامة، انتصار رسالة المعذبين في الارض وفي سجون الاحتلال على الحديد والفولاذ وسياسة الموت البطيء ، ليلة لا قضبان فيها ولا سياج، لا حواجز ولا اعتقالات ، ليلة ساكنة وهادئة لا يسمع فيها سوى صوت الصلاة جماعية في باحة الاقصى بالقدس.
هي ليلة القدر، الاضاءة والنور في تلك الليلة، زهر الجوع وخصوبة الدم، عودة الشهداء والاسرى في ليلة الشرف، النار والماء في كأس واحدة، نزول الجبل الى البحر وفي يده قرص شمس آخر.
تفاجات دولة الاحتلال من هذا التوقيت القدسي الذي حدده اسير اصبح معلقا بين الموت والحياة، حائرون في القرار بين تركه حتى الموت، او إجباره على التغذية القسرية كما حدد قانونهم الدموي الاخير، وبداوا يسألون عن ليلة القدر، ليلة الاسير الخاصة، الاحلام المنتفضة، الملح الذي يذوب على سجادة الصلاة، وغالبا تسيل الاجوبة دما يبدو كأنه يتدفق من عنق الشمس.
خلال 56 يوما جرت احداث كثيرة: الصليب الاحمر الدولي حذر من خطورة وضع الاسير خضر عدنان، المقرر الخاص للامم المتحدة منع من دخول الاراضي المحتلة، المتطرفون في الكنيست الاسرائيلي طالبوا بإعدام الاسرى، مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة طالب بمسائلة وملاحقة اسرائيل ، الاسرى قرروا مقاطعة محاكم الاعتقال الاداري الصورية، النيابة العامة انزلت لائحة اتهام سياسية ضد النائبة خالدة جرار، النائب احمد سعدات هدد بإعلان الاضراب بسبب استمرار منعه من الزيارة، وهناك ساعة تتدلى على عقرب الوقت، ترتل البطولات.
الاسير خضر عدنان ...حتى ليلة القدر، وفي تلك الليلة الشمس لا شعاع لها، الشمس لها ايادي كثيرة، تمتد من الزنازين ومن بين قضبان السجون، وجوه تصرخ وتهتف، غيوم نقية ، الكنائس تدق اجراسها شجرا من الضوء الاحمر، الافق يحركه يقين متموج ، راس مروان البرغوثي يمتليء بالاكاليل ، طفلة تستقر في فراشة في إحدى حدائق رام الله، شعب يحمل ماء الحياة من البحر المتوسط حتى ضفاف دجلة والفرات، يحرك بقية انهار العالم.
الاسير خضر عدنان .. حتى ليلة القدر، لكل شعب ليلة، ولكل شعب سلامه وحريته حتى مطلع الفجر، ولكل اسير زمنه الخاص، كأن الجوع يحفظ حرارة الجسد، وكأن الدم يفجر البراكين في شهوة الحقائق وحكمة الضوء.
في السجون يسخن الهواء ...
لكي تصعد الارض المقعدة
يحملها الحلم في ليلة مباركة
الى رؤوس الجبال ...