يتناول الكثيرون مكملات زيت السمك لأنهم يظنون أنها تقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب لما تحتويه من الأحماض الدهنية المفيدة والمسماة "أوميغا 3"، ولكن معطيات علمية جديدة تشكك في هذه القناعة.
ورغم أن زيت السمك شائع لدى الكثير من الناس، فإن معظم الأبحاث الطبية المنشورة مؤخراً بهذا المجال لا تشير إلى وجود أدلة تدعم تأثير زيت السمك الإيجابي على الصحة.
ويعتبر النزاع العلمي حول مادة "أوميغا 3" الموجودة في زيت السمك جزءا من نقاش تاريخي ومعقد حول دور الدهون في الحمية الغذائية يعود تاريخه إلى عام 1977. ولكن نظرة مقربة على زيت السمك توضح كيف قامت السلطات الطبية بتوصية المواطنين بتناوله رغم تضارب الأدلة بشأن فوائده، ومن ثم استمرت على توصياتها حتى بعد رفض الأدلة التي تدعم الأثر الإيجابي على الصحة.
فعلى سبيل المثال، أوصت جمعية أطباء القلب الأميركيين بعض من يعانون من أمراض القلب "بإمكانية الحديث مع طبيبهم عن تناول مكملات أوميغا 3". ولكن عندما طُلب من الجمعية تفسير سبب هذه التوصية، قال الخبير الذي نشر هذه التوصية، وهو رئيس الجمعية السابق الدكتور روبرت إيكل، إنها بحاجة إلى مراجعة.
وأضاف إيكل أنه حان الوقت كي يتم تحديث هذه التوصية، مضيفا أن أغلب الدراسات إن لم يكن كلها حول مكملات زيت السمك لا تظهر فاعلية، ومؤكدا أنه يعتقد فعلاً أن هذا الأمر يبقى غير مثبت.
القصة
ولكن كيف وصل زيت السمك إلى هذه المرتبة أصلا؟ تبدأ القصة بعد اكتشاف العالمين الدانماركيين هانز أولاف بانغ ويورن دايربرغ زيت السمك خلال زيارة قرية تقطنها قبائل الإنويت (الإسكيمو) في شمال جزيرة غرينلاند خلال سبعينيات القرن الماضي، إذ لاحظ العالمان أن غذاء سكان القرية يتكون في أغلبه من الحيتان والفقمات والسمك. وبحسب التفكير النمطي، فإن هذه الحمية الغنية بالدهون الحيوانية تزيد من احتمال الإصابة بأمراض القلب، إلا أن بانغ ودايربرغ لاحظا العكس، أي انخفاض نسبة الإصابة بأمراض القلب لدى سكان القرية.
وبعد تحليل دم نحو 130 شخصاً من سكان هذه القرية، أظهرت النتائج نسباً منخفضة من الكولسترول والدهون الثلاثية، وهما المادتان المسؤولتان بشكل رئيسي عن أمراض القلب، مما دفعهما إلى طرح نظرية ارتباط نسبة أمراض القلب المنخفضة بحمية سكان القرية الغنية بمادة "أوميغا 3".
ولكن الإقبال الجماهيري على زيت السمك بدأ بعد دراسة كبيرة أجرتها دورية "لانسيت" البريطانية الطبية عام 1989 وشملت أكثر من ألفي شخص من ويلز عانوا من سكتات قلبية، وقد طُلب من بعضهم تناول كمية أكبر من زيت السمك، مما أدى إلى انخفاض معدل الوفاة لديها بنسبة 29% على مدى سنتين.
وبعدها تمتع زيت السمك بشعبية كبيرة لمدة عقدين من الزمن، قبل أن تقوم مجموعة من نفس العلماء الذين أجروا التجربة الأولى بإجراء تجربة جديدة عام 2003 شملت ثلاثة آلاف شخص من ويلز عانوا من الذبحة الصدرية. ولكن بعد أن نُصح بعضهم بتناول زيت السمك أو أقراص زيت السمك، اكتشف العلماء هذه المرة أن المجموعة التي تناولت زيت السمك كانت أكثر عرضة للوفاة.
بيد أن هذه النتيجة لم توقف مبيعات أقراص زيت السمك، حتى بعد أن تزايد عدد الدراسات التي أكدت عدم فعالية هذا الزيت في تخفيض نسبة الإصابة بأمراض القلب. وفي غياب رسالة واضحة من السلطات الصحية، فإن متناولي زيت السمك يعيشون على أمل قد لا يتحقق.