الرئيسية / قسم27
رسالة خاصة الى محمود درويش
تاريخ النشر: الأثنين 10/08/2015 13:43
رسالة خاصة الى محمود درويش
رسالة خاصة الى محمود درويش

  

بقلم د. عدنان ملحم

تزورني كلماتك دوما، وقت التصاق الروح مع ورد الأبجديات،  تعبث في ثنايا داخلي، وتبحث عن قلبي المتيم بهوى الوطن، وحدوده النائمة على خصر الجغرافيا، تلامس صور الربيع وعطر الأمكنة، وعبق التاريخ، أشعر أن قوافي شعرك تبكي جسد الوطن، وتناجيه وتناديه، وتسال عن تفاصيل حياته وتقاطع أيامه.

 

المسافر في روح قصائدك، سيكتشف عمر السهول والهضاب والصحراء، وضحكات المدن والقرى المنتشرة في بقاع الذبيحة المسمى فلسطين، وسيعرف طقوس الناس البسطاء، والقادة الأقوياء، باعة القمح والزيتون، نساء الساحل الكنعاني، رائحة الغزاة وبارودهم البلدي، سيشم  طعم المسخن الطازج الخارج من  طابون أم عمر، والكلاج المصنوع في علية أم مازن.

 

يا سيد الكلام، تعال، ما زلنا مصلوبين على شجرة السرو الواقفة على الطريق المؤدية إلى مستعمرة عناب، ما زالت بساطير الجند الملونة تغزو المكان، وجيش المستوطنات يحتسي قهوته على أجساد أطفال دوما المحروقة بقنابل الموت.

 

يا سيد الكلام ،عد ثانية، ربما ستضيف إلى وثيقة الاستقلال بعض السطور عن الفساد والمفسدين. عن تجار السلاح والكفاح والنكاح، عن البطالة والرشوة والنفاق، عن الخريجين النائمين في زنازين الفراغ، عن جرح الكرامة المقتول في غزة هاشم، وساحلها المسجون في غياهب المصالح والنصوص.

 

يا سيد الكلام، المستوطنات تطل على غرف نوم الأهالي في معظم قرى الوطن، المياه تسرق من تحت منازلنا لتقدم إلى الكلاب والأحصنة السارحة في حدائق المستوطنات، أطفالنا ما زالوا  يحلمون ببضع قطرات ماء تسد رمقهم.

 

يا سيد الكلام، المجلس التشريعي الذي صفقنا  له أصبح أبطاله ملوكا، يرثون ويورثون، لا نراهم  إلا في الأفراح والاتراح، ينتقدون الهزائم، ويكتبون التمائم.  

 

يا سيد الكلام، القانون هرب من المحاكم، باتجاه قبضات الظلم والأتاوات والخاوات، وسقط الشباب والحجات والأطفال صرعى معارك الطوشات والحرائق والبيارق.

 

يا سيد الكلام، تاهت الجماهير بين استراتيجية الدولة والاستقلال وخطط الاستعمار، وأصبح النضال تهمة وماض أسود قاتم بعيد، وارتدت الأحزاب والحركات ثياب الماضي السحيق، أصبح نضالها من خلال الخطب وبيانات الشجب والاستنكار.

 

يا سيد الكلام، ما زالت رائحة دم صديقك الشهيد  ياسر عرفات تملأ المكان، القاتل ظهر أخيرا في دوما والأدلة ماتت في باريس.

 

يا سيد الكلام، إذا سألت عن معشوقتي  فتح ما زالت تعاني من مرض قاتل لعين اسمه: عدم الانضباط، والفراغ، والمصالح، والمحسوبية، واللامبالاة، والأهواء، وما زال عشاقها وأبطالها يبحثون عنها  في مكان، ويمسكون تلابيب صورتها بأطراف أهدابهم وأحلامهم وآمالهم.

 

يا سيد الكلام، برغم هذا الحلم البغيض لا  تراجع عن حب الوطن من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، ومن أعلاه إلى أسفله . لا  مساومة أو تفريط بذرة من جسده الطاهر العزيز. ليقتلوا ويسجنوا ويسرقوا ويصادروا ويزوروا.  فيسظل أقرب إلينا من حبل الوريد.

 

يا سيد الكلام، لا تطل غيبتك الحبيسة في وديعة الموت. جسد قصائدك، تنام في دواوين شعرك، قف قليلا ستراها في دفاتر التلاميذ، وجدائل الصبايا.

 

السلام على روحك الساكنة في  غيم رام الله، وقمر أريحا، وحنان جنين، وعنفوان طولكرم، وغنج حيفا، وصلابة عكا، وهدوء قيسارية، وجمال ايلياء الأنيقة والمدللة.

 د.عدنان ملحم

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017