الرئيسية / ثقافة وأدب
خطيب بدلة يوثّق ساخراً عصر الدكتاتورية في سوريا
تاريخ النشر: الأحد 30/03/2014 21:09
خطيب بدلة يوثّق ساخراً عصر الدكتاتورية في سوريا
خطيب بدلة يوثّق ساخراً عصر الدكتاتورية في سوريا

 أحمد العلي

خلال حديث خاص أجريته مع القاص والكاتب السوري خطيب بدلة والمتواجد حالياً في منطقة "الريحانية" في تركيا والقريبة من الحدود السورية قال: "أعتبرُ كتاب "قصص وحكايات وطرائف من عصر الديكتاتورية في سوريا"، من أفضل ما أنجزتُ خلال حياتي الأدبية التي تمتد على مساحة زمنية تزيد عن ثلاثين سنة، إنه كتاب الشعب السوري، كتبتُه بعدما تحررتُ من سلطة الاستبداد ومن الخوف.

وأضاف: "الكتاب تأريخ أدبي جاد، وساخر في الوقت نفسه للشعب السوري المنكوب بالاستبداد، وهو قريب من تأريخ البديري الحلاق الذي رفض أن يكون مؤرخ السلاطين، فكان مؤرخ الشعب الذي يضحّي بشهرته، وأقرب إلى روح المؤرخ الكبير خير الدين الأسدي".

مشيراً إلى أنّه بالإمكان تلخيص مأساة الشعب السوري، بحكاية ذلك الفتى الذي كان يذهب إلى القصر الجمهوري كل يوم، ويقول لهم أريد مقابلة سيادة الرئيس حافظ الأسد، فيقولون له: حافظ الأسد مات، فيغادر ثم يعود.. لنكتشف أنه يعرف أن حافظ الأسد مات، ولكنه كان (يطرب) لسماع هذه الجملة!.

وحول الجزء المفضّل من الكتاب لدى خطيب بدلة، أكّد على أنّ الكتاب هو عمل متكامل، لا يوجد فيه قسم أهم من الآخر، إنه على حدّ قوله: "هو ملحمة الشعب السوري التي أرويها أنا، بأسلوبي وطريقتي ورؤيتي"، وفي سؤال عن مدى إمكانية أن ينطبق محتوى وأفكار الكتاب حول الوضع في سوريا، عن مثيلاتها في الدول العربية الأخرى، أجاب الكاتب بدلة أنّه لا توجد دولة عربية تشبه أوضاع سوريا سوى العراق خلال فترة حكم صدام حسين.

يروي القاص خطيب بدلة القصّة وراء تأليف كتابه، أنّه في الأيام الأولى للثورة كان الناس فرحين بما حصل، منتشين بأصواتهم وهي تهدر مطالبةً بالتغيير، وبالحرية، وبالخلاص من كابوس الحكم "الديكتاتوري"، "الاستيطاني"، "الفاشيستي"، الذي أسسه حافظ الأسد وأورثه لولده "المختلّ" ويقصد هنا "بشار الأسد"...الخ، ويضيف: "كان كلُّ مَن يعرفني، ويعرف أنني كاتب، يقترب مني، سواء في الشارع، أو في السوق، أو خلال المظاهرة، ويهمس لي: "أستاذ، ما بدك تكتب عن الثورة" ؟.

 

ويُسهب بدلة في حديثه: "كانوا يريدون أن يقولوا إن هذه الثورة تحتاج إلى "تأريخ"، ولكن ليس على طريقة المشايخ الذين كانوا يقسمون أغلظ الأيمان، على أنهم شاهدوا حافظ الأسد وابنَه "الباسل" -جان ألكسان- محشورين في الجنة مع الأنبياء والصديقين!.. ولا على طريقة قائداً استثنائياً ملهماً لا يتكرر، يستحق أن تكتب بحقه مؤلفات ضخمة، ولا على طريقة محمد مهدي الجواهري الذي ارتأى أن الأمة السورية يجب أن تفخر بأنها لم تلدْ، خلال خمسة آلاف سنة، رجلاً أفضل من هذا "المجرم العتل"! –ويقصد هنا حافظ الأسد-، وإنما التأريخ على طريقة البديري الحلاق الذي كان يكتب عن عصره بعيداً عن أعين الحكّام لتقرأه الأجيال القادمة وتعرف حقيقة ما جرى من دون كذب وافتراء"، وكنت أقول لمن يسأل: مؤكداً أن كُتَّاباً سوريين كثيرين يؤرخون لثورة الشعب السوري، فلننتظر، ونرَ.

 

ويضيف قائلاً: "ولأنني كنت أعيش في إدلب "مناطق النظام"، وأنا من الثورة والمعارضة في آن واحد، فقد كانت عملية احتفاظي بكتابات تتحدث عن استبداد هذا النظام "الفاشستي" ومنهجه الأزلي في العدوان على الشعب السوري، وقمعه وإذلاله على "كومبيوتري" تفوق في خطورتها اقتناء المخدرات أو الاتجار بها، ومع ذلك، كان أول ما فعلته هو أنني أنشأتُ على "كومبيوتري" مجلداً يحمل عنوان "موسيقا كلاسيكية".

 

اخترتُ له هذا العنوان لقناعتي الراسخة بأن "حيوانات" النظام المختصة باقتحام بيوت السوريين، يمكن أن ترتاب بأي مجلد ويدفعها الفضول لمعرفة محتوياته عدا مجلد الموسيقا الكلاسيكية!، وصرت أكتب ما يمكن اعتبارها تأريخاً قصصياً حكائياً فكاهياً لعهد استبداد الحركة التصحيحية في سوريا.

 

مشيراً إلى أنّ تأليفَ الكتاب طيلة تلك الفترة، تزامن مع هواجس وحسابات بالغة الحساسية تجاه الحالة الأمنية السائدة في سوريا، قائلاً: "أول شيء قمتُ به هو أنني صرتُ أرسلُ نسخاً من فصوله المكتملة إلى أصدقاء أثق بهم يعيشون في دول تحترم حقوق الإنسان، وأطلب منهم إنشاء مجلد خاص للكتاب، ثم أحذف "الإيميل" من قائمتي وهذا إجراء أقل خطورة من إجراء حمل "الفلاشة"، لأن "دواب" النظام يمكن أن يقتلوا أي سوري يحمل "فلاشة"، حتى ولو كانت تتضمّن بعض أغاني "دومينيك" و"علي الديك"، لارتيابهم بأنها تتضمّن شيئاً معادياً للممانعة، ومع ذلك فقد اضطررت لحمل "الفلاشة"، حينما هربت إلى حلب، فهناك كنت أشتغل على النحو الآتي:

 

"أذهب صباحاً إلى منزل أحد أصدقائي في حارة سيف الدولة الذي كنا ننشط فيه لصالح الثورة، أنقل محتويات المجلد من "الفلاشة"، إلى سطح مكتب "كومبيوتر" خصصه صديقي لي، أشتغل عليه حتى المساء، ووقتها أنقل النسخة المعدلة إلى "الفلاشة"، وأحذف المجلّد من سطح المكتب، وعندما أصعد إلى السيارة أضع "الفلاشة" ضمن كراكيب المفكّات والمفاتيح، أو تحت الدولاب الاحتياطي، وأستخرجها حينما أصل إلى البيت، لأنقل محتوياتها على "اللابتوب" الموجود في البيت، كنت ألجأ إلى كل هذه الحيل لأن الانترنت كان ينقطع فترات طويلة عن حلب، ومن ثم فإنّ فكرة "الايميل"، لم تكن تنجح دائماً".

 

ويضيف: "هذا الكتاب كنت أهربه أيضاً إلى "معرتمصرين" حينما كنت أضطر إلى مغادرة حلب، والسؤال المشروع والذي يطرح نفسه الآن، هل كان الكتاب على مستوى المخاطر التي تعرّضت إليها لأجله ؟ أم تمخّض الجبل.. ؟، الجواب: ماذا أقول ؟!!، هو كتابي على كل حال.

 

يذكر أن القاص والصحافي والسيناريست خطيب بدلة من مواليد معرتمصرين في محافظة إدلب شمالي سوريا عام 1952 ويرأس حالياً اللجنة الثقافية في رابطة الكتاب السوريين، أمين تحرير مجلة «أوراق» التي تصدرها الرابطة، مؤسس ومالك ورئيس تحرير مجلة «كش ملك» الإلكترونية الساخرة، ويجيء كتابه الأخير «قصص وحكايات وطرائف من عصر الديكتاتورية في سورية» الرابع عشر ضمن ما أصدره على مرِّ تجربته في الكتابة، والتي بدأها بـ «حكى لي الأخرس- سخريات صغيرة عام 1987، إضافة إلى كتاب المستطرف الليلكي، بالاشتراك مع القاص إياد جميل محفوظ، والذي صدر عن دار نون للنشر أيضاً، كما قدّم للتلفزيون والإذاعة العديد من الأعمال الدرامية، وأخيراً جاء كتابه الجديد في 176 صفحة من القطع الوسط، وصمم غلافه الشاعر الفلسطيني خالد سليمان الناصري.

 

وهنا نعرض لكم فصلاً من الكتاب:


"لم يسلم أحد من ذراع الإعلام السوري السكندري (نسبة إلى أحمد اسكندر أحمد)، ففي فترة من الفترات امتدت هذه اليدُ إلى تراث الأخوين الرحباني والسيدة فيروز العظماء لتشوهه بطريقة عجيبة!..

يجدر بنا أن نقول- استطراداً- إن "الرحابنة" يكرهون الاستبداد، لسبب جد بسيط، هو أن مشروعهم الغنائي قائم، برمته، على فكرة تحرير الإنسان من الاستبداد والاستعباد، وإشاعة الحرية في المجتمع الشامي، والمجتمع العربي عموماً، ولم يسبق لهم أن غنوا لمستبد (جائر أو عادل، أو بطيخ مبسمر وفي ذات مرة، بأواخر السبعينيات، كان مقرراً أن يقدموا حفلاً في القاهرة، وفي لحظة فتح الستارة طَلَبَ منهم متعهدُ الحفلة التريث، لأن الرئيس «محمد أنور السادات» في طريقه إلى المكان، لحضور الاحتفال، وقد تأخر موكبه بسبب بعض الترتيبات الأمنية، فغضب عاصي الرحباني رافضاً أن يكون توقيت (الفني) خاضعاً لتوقيت (السياسي)، وألغى إقامة الحفلة في تلك الليلة.


الإعلام السوري كان، في ذكرى الحركة التصحيحية، يضع صورة ثابتة لحافظ الأسد، مع إضافة بعض الغيوم فوق رأسه (على برنامج الفوتو شوب)، وينطلق من الخلفية صوت فيروز وهي تغني: يا قمر مشغرة، ويا بدر وادي التيم، يا جبهة العالية ومْيَزَّرَة بالغيم!  وكأن فيروز كانت تقصد هذا "المجرم" حينما غنت لقمر مشغرة وبدر وادي التيم.!

 

المزيد من الصور
خطيب بدلة يوثّق ساخراً عصر الدكتاتورية في سوريا
خطيب بدلة يوثّق ساخراً عصر الدكتاتورية في سوريا
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017