أصداء- صفاء ديرية- لابد لكل من تجول يوماً في مخيم بلاطة شرق نابلس ودخل بين أزقته، ولكل من ألقى بناظره إلى المحلات التجارية، وإلى كل من سرح في تفصيل صغير يحمل خلفه قصة تاريخية جاءت إما من اللد أو حيفا أو من أي جزء من الأرض المسلوبة، أن يلتفت إلى ذلك المطعم الصغير الموجود بين المحلات التجارية، ذاك المطعم الذي لا يحوي سوى طاولة واحدة وكرسيين، لكنه يحمل الكثير من الذكريات والتاريخ الطويل إنه مطعم أبو حليمة، الذي يتبادل زبائنه أحاديث حول معاناة اللجوء والبلد المهجرة.
عام 1967 وتحديدا بعيد نكسة حزيران كانت تبعات الحرب تؤثر على كافة فلسطين من أوضاع اقتصادية ومعيشية سيئة، مما زاد من معاناة سكان المخيم، ومن رحم هذه الظروف استطاع "ابن النكبة" عادل أبو حليمة أن ينشئ المطعم كي يعتاش منه.
لايزال المكان هو ذاته منذ تأسس لم يتغير فيه أي شيء إلا الترميمات المتواضعة التي لم تخف بساطته، يتذكر أبو حليمة بدايته في المطعم قائلا "كنا نعد القليل من الحمص والفول، وكنت وقتها اختبر إقبال الزبائن".
ويتابع "لم يكن الإقبال في البدايات أو خلال الحرب سيء كما يمكن أن نتصور فقد كان صحن الحمص أو الفول يباع بسعر زهيد لا يتجاوز "التعريفة" أو "القرش"، وكذلك كان سعر الحبوب".
منذ بدايات المطعم وحتى الآن لم يتغير منسوب البيع، فالكثير من أبناء المخيم كانوا وما زالوا يعتمدون على الفول والحمص كوجبة أساسية بسبب الوضع الاقتصادي السيء الذي يرافق المخيم، على حد تعبير الحاج عادل.
عن تعلمه إعداد الحمص والفول والمأكولات الشعبية يقول أبو حليمة "في عمر 17 تعلمت من مطعم آخر في المخيم، من خلال مشاهداتي وسؤالي لهم، فالعين هي التي تلتقط المهارات، ومن بعدها وخلال مرور الزمن نقلت خبرتي إلى إخوتي وأبنائهم وكذلك ابني.
أيام عصيبة
خلال الاجتياحات لمدينة نابلس ومخيم بلاطة عام 2002، وبسبب منع التجوال كان أبو حليمة يتلف الحمص والفول الجاهز، فلم يكن باستطاعة معظم أبناء المخيم الوصول إلى المطعم، كما لم يكن يوجد لدى المطعم ثلاجات لحفظ ما يزيد من الطعام.
وبضحكة حزينة خلال حديثه "في الاجتياحات وعند تواجد الاحتلال في المخيم كنت أغلق باب المطعم الرئيسي تحايلا وأفتح بابا آخر في الخلف لأبيع منه".
ذكريات أليمة
ما لا يعلمه البعض أن عادل أبو حليمة هو والد المراسل الصحفي لإذاعة صوت النجاح محمد أبو حليمة الذي استشهد عام 2004، بقي رحيل نجله حزنا ظاهرا في نظراته وملامحه، لا يخفى على أحد وما زال تحت تأثير هذه الصدمة حتى الآن.
أخذ يروي أبو محمد آخر لحظاته مع محمد قبل استشهاده "كما كل صباح جاء إلى المطعم وهو ذاهب إلى الجامعة، وفي يوم استشهاده على غير عادته جاء في وقت أبكر من ذي قبل وقال لي هل سمعت؟ استهشد أحمد ياسين وأنا اتمنى أن ألحق به".
شرد بصره وعاد بذاكرته إلى ذلك اليوم "تناول صحن فول وشرب عصير ثم خرج وقال لي اليهود في المخيم "أنا رايح أغطي الأخبار للإذاعة"، وبعد دقائق كنت أسمع عبر الإذاعة وأنا مغلق باب المطعم، المذيعة كانت تقول له محمد ابتعد عن الخطر محمد ابتعد عن الجيش، وبعدها بثوان قليلة جاء أبناء المخيم يخبروني بأنه استشهد كان لسان قولهم كما سمعت في الإذاعة في نفس اللحظة".