الرئيسية / مقالات
النفوذ التركي في كردستان
تاريخ النشر: الأثنين 28/09/2015 09:41
النفوذ التركي في كردستان
النفوذ التركي في كردستان

 

بقلم: أيمن هشام عزريل 

uzrail@hotmail.com

 

 تعاظمت القضية الكردية في السياسة الخارجية التركية منذ الربع الأخير للقرن العشرين، بسبب التطورات الداخلية التي شهدتها الساحة التركية نفسها إثر قيام حزب العمال الكردستاني، والمتغيرات الدولية والإقليمية الكبيرة والخطيرة التي شهدها العالم ومنطقة الشرق الأوسط، متمثلة بانهيار المعسكر الشرقي واجتياح العراق للكويت على التوالي، وعليه فقد ترسخت القضية الكردية العراقية في صلب السياسات الاستراتيجية التركية.

 

   على أية حال اخفق اتفاق أنقرة في ضمان السلام الداخلي لكردستان، وتجدد الاقتتال بين الحزبيين الكرديين، وفي نفس الوقت بدأت انقرة، وبخطى متسارعة، الاقتراب من بغداد اثر تشكيل الاسلاميين قيادة اسلامية التوجه ف تركيا، فاستهلت الحكومة الجديدة اتصالاتها ببغداد بإرسالها وفد وزاري كبير إليها، وجرى الحديث عن عودة جدية للعلاقات بين الطرفين، وبموازاة ذلك فإن تداعيات عملية دخول الجيش العراقي وعناصر المخابرات العراقية اربيل (آب 1996) وباقي تحركات القادة الكرد العراقيين نحو بغداد وطهران كانت بمثابة رسائل ذات تهديد مبطن إلى واشنطن وحلفائها، وهو ما جعل إدارة الرئيس كلنتون تراجع سياستها في مجمل المنطقة وكردستان، في محاولة لحصر الأضرار وتدارك العوامل التي زعزعت سياسات واشنطن في الاحتواء المزدوج قبل انهيار تلك السياسات برمتها، وقد عزز التوجه الامريكي الجديد تصرفات حكومة انقرة الاسلامية التوجه، إذ نتج عن الضغط الشديد التي مارسته على أمريكا، في وقت حرج جداً، عن إيقاف تفويض قوة عملية توفير الراحة O.P.C واستبدالها بعملية العين الساهرة N.W  الأقل أهمية وفعالية بكثير قياساً بالأولى في السهر على مصالح أمريكا في العراق.

   وأمام التحديات الجديدة التي واجهت الإدارة الأمريكية ومنذ النصف الثاني من العام 1996، كثفت وزارة الخارجية الأمريكية دبلوماسيتها وجهودها باتجاه العودة التدريجية إلى المنطقة عبر استراتيجية جديدة قائمة على تحقيق السلام النهائي في كردستان كأساس لنجاح الجهود الأمريكية في إضعاف نظام صدام، توالت لقاءات كبار المسؤولين الأمريكيين بالقادة الكرد، لتتوج في أيلول 1998، بإنهاء الخصومة والاقتتال الداخل نهائياً، بدعوة وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين اولبرايت، كل من البارزان والطالبان إلى واشنطن، حيث تم فيها التوقيع على اتفاقية واشنطن في 17 أيلول 1998، والتي ورد فيها إنهاء الاقتتال الداخلي نهائياً، والتزام واشنطن في إقامة كيان سياسي كردي فدرالي ضمن عراق ديمقراطي تعددي وموحد، كما تضمن الاتفاق خارطة طريق بكيفية تحقيق ذلك.

   أثارت الاتفاقية سخط وقلق الساسة والرأي العام التركي على حد سواء، بسبب إبعاد الوسيط التركي عن الجولات الختامية من عمليات التفاوض والتوقيع على الاتفاقية، رغم المحاولات المكثفة والسريعة للإدارة الأمريكية والقادة الكرد في تهدئة خواطر الأتراك وتبديد مخاوفهم، عبر إفهامهم بأن الاتفاقية نتيجة إضافية من نتائج عملية أنقرة.

   راود الساسة الأتراك شكوك مكشوفة ومخاوف جدية من أن تؤدي الاتفاقية في آخر المطاف إلى إقامة دولة كردية في كردستان العراق، وإلى تعقيد عمليات الاجتياح العسكري التركية عبر حدود كردستان العراق في المستقبل، وكردّ فعل على التصرف الأمريكي الأخير، أعلنت أنقرة عن رفع مستوى العلاقات مع بغداد إلى مستوى سفارة، وأطلقت عملية اجتياح عسكري جديدة عبر الحدود مع كردستان في تشرين الثاني 1998، كإعلان متأخر في أنها ما تزال صاحبة كلمة في الشأن الكردي العراقي، ولكن ومنذ اتفاقية واشنطن بدا واضحاً لأي مراقب للشأن التركي انحسار النفوذ والتأثير التركي في كردستان، بل غدا كرد العراق عنصراً اضافياً يقيد سياسة تركيا الخارجية وكذلك الداخلية، وتحولوا من عنصر ساهم على صعيد سياسة تركيا الخارجية في دعم صورة تركيا أوروبياً وعالمياً إلى عنصر ينبه الأمريكان والأوروبيين إلى معاناة كردها الرازحين تحت الأحكام العرفية التركية، وداخلياً من عنصر يساعد على تعزيز أمن تركيا عبر تقويض قوة وفعالية حزب العمال الكردستاني سواء في كردستان أو في داخل تركيا إلى طرف غير معروف الموقف من تهديد حزب العمال الكردستاني الكبير على الأمن القومي التركي، فضلاً عن بث المشاعر الوطنية والأمل مجدداً لدى جميع كرد العالم في إمكانية إقامة كيان قومي سياسي لأحد أكبر شعوب العالم المحروم من ذلك الحق.

   كان تأثيرات اتفاقية واشنطن الإيجابية كبيرة على كردستان داخلياً وخارجياً، فقد ساهمت الاتفاقية في ازدياد النفوذ والحضور الأمريكي في الشأن العراقي عموماً والكردستاني العراقي خصوصاً، بشكل تعزز بفضله موقع إقليم كردستان العراق في أكثر من ناحية فمن جهة انحسر النفوذ التركي، وكذلك الإيراني والعراقي الذي كان يتدخل في الشؤون الداخلية للإقليم، ويشل أعمال الحكومة والبرلمان الكردستانيين، مما كان له إسقاط واضح على تعزيز السلام الأهلي وبالتالي تسارع وتيرة نمو وتطور المؤسساتية وأجهزة الدولة في ذلك الإقليم، ومن الجهة الثانية عبرت الاتفاقية عن تفهم واهتمام أكبر من جانب الإدارة الأمريكية نحو قضية الكرد عموماً، وحقيقة هيأت الاتفاقية أرضية مناسبة للتعاون الأمريكي الكردي (العراقي) الوثيق في مرحلة حرب العراق الأخيرة نيسان.

 

 

 

 

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017