خالد معالي
الانجاز تلو الانجاز، ضمن برنامج واع وتخطيط علمي دقيق، هو سبب فوز اردوغان وحزبه في الانتخابات، كون الانجازات المتراكمة لمسها الشعب التركي وعايشها وشكلت درعا وحصنا قويا لاردوغان، ولم ينفع معها قيام أمريكا و"نتنياهو" وزعماء العرب الدكتاتورين من دعمهم بالمليارات حملات التشويه ضد اردوغان ومحاولاتهم المحمومة لإسقاطه، فما يحزن ويغيظ "نتنياهو" تلقائيا يفرح الفلسطينيين ويسعدهم.
شاء من شاء، وأبى من أبى، فاردوغان الآن بات يشكل نموذجا حيا وناجحا لكل الشعوب والدول العربية والإسلامية المقموعة والمقهورة، وأن لا بديل عن التداول السلمي للسلطة، بعيدا عن الحروب والقتل، وهدم المدن بأكملها والمنازل فوق رؤوس أصحابها، فصناديق الاقتراع هي الحكم، وهي من تحمي البلاد ومقدراتها وقياداتها؛ وليس القتل والتعذيب في السجون وملؤها بالمعارضين وزيادة عددها والتفنن بقهر الإنسان لأخيه الإنسان.
وبعد أن أحكمت دولة الاحتلال وأمريكا، وأنظمة حكم عربية رجعية ودكتاتورية خططها، لإزاحة اردوغان بوسائل ماكرة خبيثة كانت لتزول منها الجبال، بالتفجيرات الانتحارية وبالتشويه والطعن وبث الإشاعات، وإنفاق المليارات، لإفشال تجربته الناجحة في الانطلاق بتركيا؛ لمصاف الدول المتحضرة والقوية، ذات النموذج الخلاق والملهم، ولكل واحد منهم أسبابه للتخلص من اردوغان؛ باءت محاولاتهم جميعا بالفشل الذريع، وصدم "نتنياهو" والسيسي والأسد، وآخرين، "لا تعلمهم الله يعلمهم".
ليس مطلوب من تركيا أن تسير الجيوش لتحرير فلسطين في هذه المرحلة العصيبة والمعقدة ذات الظروف الصعبة؛ فموقفها من فلسطين متقدم بدرجات كبيرة على دول عربية وإسلامية؛ فيكفي أن دواود اوغلو خلال خطاب الفوز لم ينسى فلسطين واعتبر أن المسجد الأقصى للمسلمين للأبد؛ وهو خطاب يتبعه أفعال لاحقا لدعم الشعب الفلسطيني.
ولو أمعنت النظر قليلا وتفكرت في سبب اجتماع بعض الأنظمة على كره اردوغان لوجدت أن ما يجمعهم هو الظلم؛ وخشيتهم من وجود نموذج إسلامي حي، معتدل ووسطي ناجح، يكون مثالا لبقية الدول الإسلامية المبتلاة بحكام طغاة، وظلمة.
الانتخابات التي جرت أمس وفاز فيها اردوغان بشكل مدهش؛ صدم وأذهل دولة الاحتلال ومن لف لفيفهم، كونها؛ تمثل وتعطي دفعة قوية ومصداقية للإسلام السياسي ذو القيادة الناجحة، علمية ومتطورة، غير متحجرة ومتكلسه؛ أخذت شرعيتها عبر صناديق الاقتراع وليس صناديق الرصاص وتلال من الجماجم البشرية كما هو السيسي والأسد.
وتكمن انعكاسات وارتدادات فوز اردوغان في عيون مسئولي دولة الاحتلال التي أذلها اردوغان، ففوزه يعني مواصلة الضغط في فك حصار غزة، وإجبار الاحتلال على الانصياع التام لمطالب تركيا حول مجزرة سفينة مرمرة؛ وزيادة دعم الفلسطينيين في مختلف الميادين داخليا وخارجيا وعلى مختلف المستويات؛ وقوة ودفعة معنوية كبيرة ومجانية لانتفاضة القدس المباركة.
وبالنسبة لمصر؛ فقد انخرط إعلام السيسي في تشويه اردوغان؛ والآن هو في صدمة كما هي دولة الاحتلال؛ فالسيسي صوت لصالح "اسرائيل" قبل أيام؛ وانتخاباته العالم يعرف ويعلم أنها مزيفة؛ بعكس تركيا الذي لم ولا يستطيع احد أن يشكك فيها.
وفوز اردوغان يعني دفعة معنوية كبيرة للمستضعفين والمظلومين وللإخوان المسلمين في مصر، لتشابه الحالتين؛ فالسيسي كان يزعم دجلا وكذبا أن إرادة الشعب هي من دعته للانقلاب على الشرعية، وتريده رئيسا للبلاد، ولكن الحقيقة غير ذلك؛ كونه استباح البلاد والعباد وارتكب مجازر وجرائم حرب وضد البشرية بقتله 2500 في رابعة دفعة واحدة وبيوم واحد فقط، وزور وفبرك انتخابات على مقاسه.
ما الفرق بين حكام العرب واردوغان؟ اردوغان كان صريحا مع شعبه في كل شيء، وكان لا يكل ولا يمل من العمل لشعبه؛ بعكس حكام العرب الذين يعملون ضد شعوبهم، جهارا نهارا دون خجل أو وجل.
كيف لا يفوز اردوغان وهو قد حقق مطالب شعبه بالعيش الكريم واحترام الذات، والقوة والانطلاق للأمام؛ فقد سجلت تركيا بين 2002 و2012 اكبر نمو بين الدول، وكله فضل اردوغان المخلص لشعبه.
لو خيرت الشعوب العربية المظلومة؛ وأتيح لها بحرية أن تختار ممثليها وقياداتها؛ لاختارت دون تردد من هم أمثال رجب طيب اردوغان، كيف لا؛ وهو زعيم وقائد مخلص متفانٍ، معارضوه ليسوا في السجون، ويحاججهم بالمنطق والأسلوب العلمي، ويغلبهم، صريح وواضح، يتخذ قراراته بشكل علمي جماعي دون ارتجالية، ولا يقول لهم (ما أريكم إلا ما أرى)؛ بل ما ترونه انتم مناسبا، ولذلك هو ينطلق ويتقدم ويزدهر، وسيبقى يغيظ أعداءه على الدوام.
في المحصلة والنتيجة النهائية؛ بان كذب ودجل وضعف الباطل وانكشف؛ بفوز اردوغان الباهر؛ وسيشكل ذلك تلقائيا دعما لقضيتنا الفلسطينية؛ حيث أن اردوغان يتعامل مع القوى الفلسطينية بنفس المسافة، ويحترمها جميعها ويدعمها دون تفرقة، وهو الآن شوكة وغصة كبيرة في حلق الظلمة؛ أمثال "نتنياهو" والسيسي، ومن لف لفيفهم.