عرف النقرس أو (القاوت) في أزمان سابقة بأنه داء الملوك والأغنياء لارتباطه بالرفاهية مثل تناول الطعام الدسم واللحوم الحمراء وقلة النشاط البدني وزيادة الوزن، وجميعها صفات كان يعرف بها الملوك والأغنياء، ولكنه أصبح الآن شائعاً وسط جميع فئات المجتمع بمن فيها الغني والفقير.
يعتبر النقرس أحد أشكال التهاب المفاصل الحاد الذي يداهم فجأة حتى أثناء النوم ليلاً، ويجعل الشخص في حالة من الألم الحاد خصوصاً بالمفصل الكبير بأصبع القدم، كما يمكن أن يحدث الألم أيضاً بكامل القدم أو الكاحل أو مفصل الركبة أو الكفين أو الرسغ، وتكون نوبة الألم حادة خلال الـ12 ساعة الأولى من بدايتها، وبعد انحسارها تترك شعوراً عاماً بالجسم بعدم الراحة يستمر لبضعة أيام مع احتمالية عودة النوبة مرة أخرى لتطال المزيد من المفاصل بالجسم فتصيبها بالالتهاب والاحمرار والتورم وصعوبة الحركة.
يحدث المرض عندما تتجمع بلورات اليورات (ملح أو استر حمض اليوريك) بالمفاصل نتيجة زيادة معدلاتها بالدم، ويفرز الجسم ذلك الحمض لتحليل مادة «البيورينات» الموجودة بصورة طبيعية بالجسم وبعض الأطعمة مثل اللحوم الحمراء والأطعمة البحرية، وفي الحالة الطبيعية يذوب حمض اليوريك بالدم ثم يمر عبر الكليتين مع البول، ولكن في حالة الإصابة بالنقرس فإن ما يحدث إما زيادة في معدلات إفراز الحمض بالجسم أو خروجه بكميات قليلة إلى خارج الجسم ما يؤدي إلى تكتل اليورات في شكل بلورات مدببة الشكل تتراكم على المفاصل أو تحـــيط بالأنسجة فيشعر الشخص بالألم والتورم، ويمر بـعدة مراحل هي:
* ارتفاع حمض اليوريك بالدم من دون أعراض: وهي مرحلة تحدث قبيل النوبة التي تحدث للشخص أول مرة ولا تظهر أعراض، ولكن تكون معدلات الحمض عالية مع تكون البلورات بالمفاصل.
* نوبة المرض: تحدث بعض تعرض المريض لأحد مهيجات الحالة، حيث ترتفع معدلات الحمض بصورة مفاجئة أو تزاحم البلورات التي تكونت سابقاً بالمفاصل، فيشعر الشخص بآلام حادة وخصوصاً خلال الليل، وتستمر تلك النوبة لمدة 8 - 12 ساعة وتختفي الأعراض بعد حوالي أسبوع أو 10 أيام، ويختلف موعد حدوث النوبة التالية من شخص لآخر، حيث لا تظهر مرة أخرى عند بعض المرضى، بينما تعاود لدى مرضى آخرين بعد عام أو 3 أعوام.
* النقرس المزمن: بقاء معدلات حمض اليوريك مرتفعة لفترة تصل إلى عدة سنوات، وهي المرحلة التي تتكرر فيها النوبات ويستمر الألم لفترة أطول عما كان عليه في السابق، وربما يحدث تلف بالمفاصل يؤدي إلى صعوبة الحركة، ويمكن تجنب الوصول إلى هذه المرحلة بالالتزام بالعلاج مع اتباع العادات الصحية.
وهنالك عدة عوامل تؤدي إلى حدوث تلك الحالة منها:
• النظام الغذائي: يزيد تناول اللحوم الحمراء والأطعمة البحرية والسكريات، من ارتفاع معدلات حمض اليوريك المرتبط بالاصابة بالحالة.
• زيادة الوزن: يفرز الجسم في - حالة الوزن الزائد - مزيداً من حمض اليوريك فتجد الكليتان صعوبة في التخلص منه وبالتالي تزيد فرصة الإصابة بالمرض
• الحالة الصحية العامة: تؤدي بعض الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم الخارج على السيطرة، والسكري، ومتلازمة الأيض، وأمراض القلب والكلى؛ إلى زيادة فرصة الإصابة بالمرض.
• استخدام بعض العلاجات: مثل أنواع محددة من عقاقير ارتفاع ضغط الدم، وجرعات الإسبرين وإن كانت قليلة.
• العامل الوراثي: تزيد فرصة إصابة الشخص بالنقرس إذا أصيب به أحد أفراد العائلة.
• العمر والنوع: يشيع وسط الرجال أكثر عن النساء وذلك لأن النساء لديهن معدلات أقل من حمض اليوريك بالرغم من أن معدلات الحمض ترتفع لديهن وتتساوى مع الرجال عند بلوغهن سن اليأس وانقطاع الطمث وهي الفترة التي ربما تظهر فيها الأعراض لديهن، أما الرجال فتظهر لديهم الأعراض في مدة مبكرة ما بين عمر الـ30 والـ50
• العمليات الجراحية أو الإصابات: وجد أن هنالك ارتباطاً بين الإصابة بالمرض وإجراء العمليات الجراحية أو التعرض للإصابات الجسدية.
يؤدي إهمال الحالة وعدم خضوع الشخص للعلاج إلى نوبات متكررة من الألم تجعل المفصل عرضة للتآكل والتلف، كما يمكن لبلورات اليورات أن تتراكم مع مرور الوقت تحت الجلد في شكل عقيدات تسمى «توفي» في إحدى مناطق الجسم مثل الأصابع والكتفين والقدمين والمرفقين أو الوتر الخلفي للكاحل، وهي عقيدات غير مؤلمة ولكنها تنتفخ، وتؤلم عند النوبات، أما في الحالات المتقدمة من المرض تتجمع بلورات اليورات بالجهاز البولي متسببة في حدوث حصوات الكلى، لذلك ينصح بعلاج الحالة لتجنب أمراض الكلى.
يتم التشخيص عن الإصابة بالنقرس عن طريق إجراء بعض الفحوص منها:
• تحليل السائل المفصلي: يتم استخراج عينة بواسطة الإبرة من السائل الموجود بالمفصل المتأثر وفحص تلك العينة للكشف عن وجود بلورات اليورات.
• فحص الدم: لقياس معدلات حمض اليوريك ومركب الكرياتينين، في حالات كثيرة لا يكون فحص الدم دقيقاً لأن بعض الأشخاص لديهم ارتفاع بمعدلات الحمض ولا يعانون النقرس، بينما تظهر الأعراض عند بعض الأشخاص ولا يكشف فحص الدم عن ارتفاع زائد للحمض لديهم.
• الأشعة السينية: توضح صور الأشعة السينية للمفصل ما إذا كان المفصل تعرض للالتهاب من عدمه.
• الموجات فوق الصوتية: تساعد الموجات فوق الصوتية للجهاز العضلي الهيكلي في الكشف عن بلورات اليورات في المفاصل أو تحت الجلد أو بالغضاريف
• الأشعة المقطعية مزدوجة الطاقة: تكشف هذه التقنية عن وجود بلورات اليورات بالمفصل حتى في حالة عدم التهابه.
تساعد علاجات النقرس في الحد من النوبات وتخفيف ألمها ومكافحة المضاعفات التي ربــــما تنتج عن المرض مثل ازدياد تراكم بلورات اليورات، ومن تلك العلاجات المسكنات المضادة للالتهاب ومن آثارها الجانبية ألم البطن والقرحة، وكذلك مركبات الكورتيزون في الحالات التي لا يستطيع فيها المريض استخدام مضادات الالتهاب والأنواع الأخرى من العلاجات، وتكون تلك المركبات في صورة أقراص أو حقن موضعية في المفصل، وربما تســــبب تقلب المزاج وارتفاع معدلات السكر في الدم وارتفاع ضــــغط الدم، كما توجد بعض الوسائل التي تخفف الألم عند حدوث النوبة مثل التنفس العمــــيق ومحاولة الاسترخاء، وتساعد أيضاً بعض العلاجات في الـــحد من المضـــــاعفات الناتجة عن المرض منها:
• عقاقير تمنع إنتاج حمض اليوريك: مثبطات تحد من إفراز حمض اليوريك بالجسم وبالتالي تتراجع معدلاته بالدم لمنع الإصابة بنوبة المرض.
• علاجات تساعد على إخراج حمض اليوريك خارج الجسم: توجد بعض الأدوية التي تحسن وظيفة الكليتين عن طريق التخلص من حمض اليوريك وإخراجه خارج الجسم وبالتالي تتراجع معدلاته بالجسم ولكنها تبقى عالية في البول
• نمط الحياة اليومي: يساعد تغيير العادات اليومية إلى الأفضل في الحد من مضاعفات المرض التي ربما تحدث للمريض مع الوقت، وما ينصح به تناول السوائل بكثرة وتناول الماء بدلا من المشروبات المحلاة، وممارسة الرياضة بانتظام والتخلص من الوزن الزائد، ووجدت دراسة نشرت نتائجها عام 2013 في مجلة متخصصة في الأمراض الروماتيزمية، أن 92% من مرضى النقرس كانت لديهم معدلات حمض اليوريك بصورة آمنة مع نوبات أقل بعد قضائهم عاماً من النمط اليومي السليم مع استخدام العلاج
• علاجات منزلية: لا تعتبر بديلاً للأدوية الطبية ولكنها تساعد في السيطرة على حمض اليوريك والتخلص من الزائد منه، ومن تلك الوسائل:
- القهوة: وجدت الدراسات ارتباطاً بين تناول القهوة بنوعيها - العادية والخالية من الكافيين - وانخفاض معدلات حمض اليوريك ولكن لم تتضح حتى الآن الطريقة التي تعمل بها القهوة في ذلك، كما أن الدراسات تحتاج إلى مزيد من الأبحاث لذلك يجب الاعتدال في تناولها.
• فيتامين C: تساعد مكملات ذلك الفيتامين في تخفيض معدلات الحمض بالدم، ويمكن الحصول عليه من خلال النظام الغذائي اليومي بتناول الأطعمة التي تحتوي عليه مثل بعض الخضراوات والفواكه وخصوصاً البرتقال.
• الكرز: وجدت الدراسات أن الكرز يخفض من معدلات الحمض وكذلك يقلل من مرات نوبات المرض.
يستطيع المريض الاستفادة من الفترات التي تختفي فيها الأعراض ويكون فيها في حالة مستقرة، وذلك باتباع نظام غذائي معين يعينه على تجنب تكرار النوبات، حيث يجب على المريض تناول كميات كبيرة من السوائل الخالية من السكر، وتناول البروتين من منتجات الحليب قليلة الدسم، وتقليل اللحوم بنوعيها (الحمراء والبيضاء)، والحفاظ على الوزن المثالي قدر المستطاع ولكن من دون خسارة مفاجئة للوزن لأن ذلك يزيد من ارتفاع معدلات الحمض بالجسم.
قامت إحدى الدراسات النوعية في نوتنجهام، بمقابلة 20 مريضاً من مرضى النقرس و18 من المهنيين بمجال الصحة، وقالت د. كارين سبنسر قائد فريق البحث، إن كثيراً من المرضى الذين تمت مقابلتهم كانت نظرتهم للمرض على أنه ناتج عن تقدم العمر وكان جل اهتمامهم هو التعامل مع نوبات الألم الحاد من دون التفكير في علاج أسبابه إضافة إلى تعاملهم مع الأعراض بنوع من السخرية، ويقول أحد المختصين إن جهل المرضى - وكذلك بعض العاملين بالحقل الصحي- بأسباب المرض والمفهوم الخاطئ له، أمران يعيقان العلاج.