هشام يحيى
رغم مشاغل الحياة اليومية، وسرعة عجلة الزمن، يبقي أول كتاب في الذاكرة، ودائمًا ما تصاحبه قصة، وتحيطه تفاصيل، خصوصا إذا كان من نوعية الكتب التي تلعب دورًا في مسار القرّاء.
السؤال الآن: هل تتذكر أول كتاب قرأته؟
بنبرة تحمل حنينا إلى الماضي وزمن التكوين في بدايات العمر، تكلم معنا الكاتب عبد الله عبد الرحمن صاحب، الزاوية الشهيرة "فنجان قهوة" وأحد المنتمين لجيل الرواد في الصحافة الإماراتية. قائلًا: "مجلة العربي الكويتية كانت زادنا للقراءة، وكنا نحرص على الحصول عليها، لكن مع قيام الدولة وإنشاء المكتبات العامة التابعة لوزارة الإعلام والثقافة أوائل السبعينيات من القرن الماضي، صارت هذه المكتبات مكاننا المفضل".
وينتقل إلى محطة فاصلة في القراءة، لعبت دورًا في مستقبله وحياته بشكل عام: "في هذه المرحلة وقعت على عنوان لمعهد مصري يسمى «دار الدراسات المهنية» في إعلان عن إمكانية الدراسة بالانتساب عبر المراسلة، كنت وقتها في الأول الإعدادي، وجذبني الإعلان الذي حمل -على سبيل الإغراء- ما يفيد بأن الدار ترسل لمن يرغب كتابا ضخما عن الصحافة، يطبع عليه اسمه بماء الذهب، بالإضافة إلى الكتب الأخرى مثل كتاب (وراء الأخبار ليلا ونهارا)، وفعلا أرسلت لهم وأرسلوا لي الكتاب، إضافة إلى مجلد ضخم عليه اسمي بماء الذهب، كان شاملا لألف باء العمل الصحفي الذي قدّمه محمد زكي عبد القادر.
بالإضافة إلى كتاب المحرر العسكري، كان الكتاب الأول يحكي تجارب الصحافيين الكبار، وأساليبهم في الحصول على الأخبار، وطريقتهم في تكوين العلاقات مع المصادر وتوطيدها عبر التعرف على هواياتهم وأين يمارسونها والالتحاق بهذه الهوايات والانضمام إلى نفس النادي، وغيرها من الأساليب، وللحقيقة كان تأثير هذا الكتاب كبيرًا جدا عليّ، حتى إنني كنت آخذه معي إلى المزرعة التي كنا نذهب إليها عصرا لمساعدة الوالد، أما كتاب المحرر العسكري، فيرصد تجارب تغطيات الحروب، وكنت حتى ذلك الوقت لا أزال أراسل المجلات وأنشر بعض الخواطر.
د.راشد المزروعي، مدير مركز زايد للدراسات والبحوث: "في سنوات التكوين الأولى في حياتي، بدأت ألاحظ في كل بيت أذهب إليه، أن كتاب (جواهر الادب)، يتصدر مكتبة صاحب البيت، ما جعلني أحرص على اقتنائه، وبعد قراءته أدركت أهميته، وأنه كتاب ضروري، لكل مهتم وعاشق للثقافة بفروعها المختلفة، وأصبح يلازمني خلال حياتي العملية".
وأكد منصور سعيد المنصوري -مدير إدارة الثقافة والإعلام بمركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام- تنوّع اهتمامه بين الفلسفة والأدب والتاريخ في بداية مشواره مع القراءة: "انشغلت كثيرًا في بداية حياتي وتكويني الثقافي، بالقراءة في المكتبة الفلسفية، لدرجة أن كتاب "نظرية الجدل" كان يلازمني فترة طويلة، وأيضا كتاب "تاريخ الفلسفة"، ومن الكتب المهمة أيضًا "أحجار على رقعة الشطرنج" الذي يتناول تاريخ الثورات في أوروبا، وحركة اليهود، وهذه الاهتمامات بالفلسفة والتاريخ لم تجعلنا نهمل الجانب الآخر، الكتابات الأدبية، خصوصا الكاتب إحسان عبد القدوس، لا أنسى أوّل كتاب قرأته له، كان "بائع الحب".
الكاتبة والروائية عائشة سلطان، منحتني قصة قصيرة. عن أول كتاب، لا إجابة عن سؤال، لأنه، حسب تعبيرها، المتعلق بأذني حتى الآن، التفاصيل قد تبدو أهم من الكتاب. وقالت: "كنت طفلة في الابتدائي، وشاهدت مع زميلة لي في الفصل كتابا غير كتاب المدرسة، لم أكن أتخيّل أن هناك كتبا غير كتب المدرسة المفروضة علينا للدراسة، شعرت أن هذا اكتشاف لعالم جديد، لا بدّ أن أدخله، في نفس اليوم، بحماس شديد، اصطحبت عائلتي للمكتبة لشرائه. وكان كتاب ضمن سلسلة تصدر عن الناجحين، يتناول سيرة "صلاح الدين". المفارقة أنني لم أقرأه. واقتناؤه لم يكن بهدف القراءة. لكن الكتاب الذي ترك آثارًا كبيرة عليّ، لروعة أسلوبه، (في سبيل التاج) للمنفلوطي، حيث بهرتني لغته، رغم أني كنت طفلة صغيرة".
استقبل الروائي سعيد البادي سؤالي عن أول كتاب في حياته، بصمت، يحمل معاني التشوق للبدايات وسنوات التكوين، ثم قال: "تأثير القراءة تراكمي، ولا يمكن أن ندّعي أن كتابا واحدا ترك أثرا وحده، وشكّل مبدعا، ولو حفرت في الذاكرة عميقا لوجدت عناوين كثيرة لكتّاب عباقرة، منهم على سبيل المثال فيكتور هيوجو، تشارلز ديكنز، سومرست موم، أغاثا كريستي، دوستويفسكي، تولستوي، أرنست همنغواي، ونجيب محفوظ، وعبد الحميد جودة السحار، توفيق الحكيم، إحسان عبد القدوس، وحكايات ألف ليلة وليلة وحي بن يقظان وكلية ودمنة، وقبل كل ذلك كتاب الله عز وجل، القرآن الكريم، وربما كانت قصاصات الجرائد التي تحملها الرياح لتلتصق بالسياج الخلفي لمنزلنا، قد شكّلت أولى القراءات التي ربما تكون في تلك السن المبكرة، مسألة نادرة، لأن القراءة والثقافة لم تكن أمرا يمارسه كثيرون".
اللافت في الأمر أننا كنا نقرأ كل شيء يقع تحت أيدينا، ونجد المتعة أكثر في القصص والروايات، بخلاف حالنا الآن، حيث لم تعد القراءة أمرا نمارسه بشغف.
أما التأثير الحقيقي، فأعتقد أنه جاء من حكايات الجدات والخالات التي خلقت خلايا التخيل والتصور في مخيلتنا الصغيرة، لتنمو تلك الخلايا ويصبح خيالنا واسعا خصبا عندما نكبر.
الروائية لولوة المنصوري، تعتبر المحفّز الأول لها على القراءة، جميع أعمال الأديب مصطفى صادق الرافعي، لكنها تشير إلى أول كتاب فتح أمامها مجال حب كتابة وقراءة القصص قائلة: مجموعة قصصية بعنوان (للبحر وجه آخر) لقاص أردني اسمه منذر حلتم.
"من بوابة الكتابات الرومانسية.. دخلت عالم القراءة خصوصا في مرحلة سن المراهقة". بهذه المقدمة، تكلّمت معنا الكاتبة مريم النعيمي، ثم تابعت: "رواية (لا أنام)، للكاتب إحسان عبد القدوس، كانت سببا في تعلقي بقراءة الروايات والقصص، التي تغوص في النفس البشرية، والتقلبات التي تعتريها، وبجانب هذا النوع من الكتب، بدأت أهتم بالقراءة في مجال الإعلام والسير الذاتية".
بتحديد مباشر جدًا واعتزاز بأول كتاب في حياته، قال الفنان حبيب غلوم: "+الجريمة والعقاب+ لـ دوستويفسكي، بدأت معه رحلة القراءة، وأدين له أنه وفّر عليّ قراءة 1000 كتاب قبله".
طفولته في بيئة مسرحية، بين مسرحين، فتحت عينه على كتب لا يمكن أن يفكر فيها من هم في سنه. لدرجة أن الكاتب المسرحي صالح كرامة، قال لي: "الإلياذة"، أول كتاب قرأته وعمري لم يتجاوز 12 عامًا، وقرأت "جلجامش"، وبدأت أتجه للقراءة في المسرح بشكل عام، توفيق الحكيم ومحمود دياب وميخائيل رومان، وشكسبير.
الباحثة والمؤلفة بالأرشيف الوطني، مريم المزروعي، تعتبر كتاب (فنجان قهوة) للكاتب عبد لله عبد الرحمن، من الكتب الجميلة، والقيمة، التي تتناول الحياة القديمة في الإمارات.
وأشارت إلى أنها قرأته في المدرسة، وهو عبارة عن لقاءات وحوارات مع كبار السن. وهو الذي أشعل بداخلها الفضول للتقرب منهم والتعرف إلى حياتهم. وكوّن لديها معرفة بجوانب الحياة المختلفة للإمارات.
الاتحاد