الرئيسية / الأخبار / أسرى الحرية
(نــــــــور وخلــــــدون ) قصةٌ حقيقية وليست خيال ... بقلم الأسير أ. باجس عمرو
تاريخ النشر: الجمعة 01/01/2016 07:19
(نــــــــور وخلــــــدون ) قصةٌ حقيقية وليست خيال ... بقلم الأسير أ. باجس عمرو
(نــــــــور وخلــــــدون ) قصةٌ حقيقية وليست خيال ... بقلم الأسير أ. باجس عمرو

 نور أدخلت إلى قلبي النور , كان صوتاً ندياً ولحاً شجياً ينبعث في الأرجاء لكل من يعبر المكان ومحيطه , كان الصوت عذبا ً لا أجمل منه ولا أحلى يُلامس القلوب قبل أن يصل الأسماع تساءل كل من سمع هذا الصوت عن مصدره , نعم إنه هناك ما بين الخيمة رقم اثنين والخمية رقم ثلاث ,توجه كل من سمع ذلك اللحن الرقيق باتجاهه , يتجاوز الصوت أسوار قسم أربعة في سجن النقب ليصل إلى القسم الذي يليه , هتف الأسرى مُحيين , كان الصوت صوت الشبابة وكان اللحن لحن انشودة ٍ ( رجع الخي فوق كتاف رفاقه ومُحبينه ) وكان العازف على الشبابة هو الأسير خلدون روحي البرغوثي . .

 

يقضي الأسير البطل خلدون بالحكم 4 سنوات وليست هذه هي المرة الأولى ففي المرة الأولى قضى حكما ً أربع سنوات أيضاً وفي الثانية مكث في التحقيق شهراً ثم أفرج عنه وهو الآن ينتظر الإفراج عنه في أيام ٍ قلائل.
 
وُلد أسيرانا في العام 1972م في مخيم اليرموك في سوريا وهو وحيد والديه وله أختٌ واحدة فقط , سُمي خلدون بهذا الإسم تيمُنا ً بعمه الشهيد ربحي البرغوثي والذي استشهد في العام 1970 في معركة مع قوات الإحتلال في جنوب لبنان , وكان عمه الشهيد مُقاتل في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكان إسمه الحركي ( خلدون ) .
 
عندما وُلد أسيرنا كان أبوه وهو أحد مقاتلي حركة فتح وقتها مُنفذ عملية ضد الإحتلال في منطقة اسمها واد خالد , وكانت أمه أيضاَ تعمل في هذا المجال فقط كانت كحلقة وصل ٍ بين الثوار في الخارج والداخل فلسطين , إذن أسيرنا من عائلة ٍ مُناضلة بامتياز , ولا غرابة أن يسير على النهج نفسه ولكن هذه المرة ضمن صفوف حركة المقاومة الإسلامية حماس .
 
تميز أسيرنا من بين زملائه الأسرى بإلاضافة إلى عزفه على الشبابة فهو يكتب المسرحيات والقصص وبعض الأعمال الروائية وهو لا يكتفي بالكتابة فقط بل هو بارع ٌ بالتمثيل أيضا ً فما إن يبدأ بذلك حتى تنطلق الضحكات بلا حدود , هذه المواهب لم تأتِ من فراغ بل هي ناتجة عن إطلاع ٍ واسع ٍ وقراءة ٍ مُثابرة وتجربة عميقة , فقد تنقل أسيرنا ما بين سوريا ولبنان والأردن بحكم عمل والديه في صفوف الثورة إلى أن انتهى المقام به في فلسطين .
تلقى أسيرنا دروسه في مدارس سوريا وتم تعليمه فيها فقد تعلم صيانة الأجهزة الإلكترونية هناك أيضا ً , انتقل خلدون هو وعائلته إلى فلسطين في أواسط التسعينات بعد اتفاقية أوسلو و مسقط والده قرية كوبر قضاء رام الله.
خلدون متزوج وله من الأبناء ستة (ثلاث ذكور وثلاث بنات ) وهو يُكنى بأبو عبيدة , لم يكن خلدون الأسير مُلتزما ً دينيا ً في بداية حياته , فقد كان يُصلي يوما ً ويترك الصلاة أياماً أخرى فهو على حد قوله كان مسلما ً في الهوية فقط , كانت أمه وأبوه كذلك أيضا ً حتى جاء اليوم الذي انقلب فيه حالهم وسمت به أرواحهم.
يتحدث خلدون عن قصة التزامه فيقول : كنت أعيش مع عائلتي في مخيم اليرموك في سوريا وكان لنا جار ٌ شامي يُدعى أبو محمود وكان لديه أربعة أولاد أكبرهم محمود وأصغرهم نور , كان له صبيا ًمجتهداً ملتزما ً ولكنه مات بالفشل الكلوي , أحضر جارنا ابنته نور لبيتنا ليُبعدها عن جو الحزن التي كانت سائدة في بيتهم فنور كانت متعلقة جداً بأخيها محمود , وذات يوم عدت إلى البيت في الظهيرة تقريباً فطلبت مني والدتي أن أساعد نور ابنة الخمس سنوات في دراستها , ففعَلت وبينما أنا على ذلك الحال أذن الظهر فطلبت مني أن تقوم للصلاة فسمحت ُ لها وظننتُ وقتها أنها قد ملت من الدراسة , قامت نور فتوضأت وأحسنت الوضوء وصلت السنة القبلية وفرض الظهر والسنة البعدية ثم جلست وبدأت بالدعاء لأخيها محمود المتوفي والذي لم أكن أعلم إن كانت نور تعرف بخبر موت أخيها أم لا.
يُضيف خلدون بعد أن أنهت نور صلاتها عادت بجمالها وجلالها وهي في ثياب الصلاة وجلست وسألتني هل تُحبني يا خالي ؟ فأجبت ومن لا يُحبك يا نور ؟ فسألت وهل تُحب أخي محمود ؟ فقلت لها نعم , فقالت لي كان يُحبك ولكن يا خسارة لم تكون معي ومعه في الجنة فتفاجأت وقلت لماذا ؟ فأجابت لأنك لا تصلي فرددت عليها لا يا خالي إنني أصلي , فقالت لا ها قد أذن الظهر ولم تُصلِ , فقلت لها سأصلي , سأصلي , فردت علي وقالت إن الذين يقولون سأصلي سأصلي لا يصلون يا خالي , فهممتُ أن أجادلها ولكن لم أشأ أن ألوث أفكارها لأنها كانت تُحبني .
يقول الأسير خلدون أكمَلت نور كلامها فقالت يا خسارة ستكون أنت يا خالي في سقر ويومها سأقول لك ( ما سلككم في سقر ) وستُجيبني ( لم نك من المُصلين ) انتابني الصمت ولم أستطع أن أرد عليها بكلمة ٍ واحدة وبعد هذا الحديث أجهشت نور بالبكاء لخوفها علي من النار , فقمت من فوري وتغسلت ونطقتُ بالشهادتين وكأنني أدخل الإسلام وصليت صلاة ً أتمنى لو أستطيع أن أصلي مثلها مرةً أخرى.
سمِعت أمي كل الحديث الذي دار بيني وبين نور وفعلت مثلي وعلمتها نور ابنة الخمس سنوات الوضوء والصلاة وأذكار الركوع والسجود , فكل من سمع القصة على لسان خلدون يستغربون كيف لهذه الطفلة أن يخرج منها كل هذا الكلام , فلا بد أن يكون ملكا ينطق على لسانها ولكنها الشام التي مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدح أهلها..
الشام وما أدراك ما الشام .
:
:
سجن النقب الصحراوي ..
 
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017