طوباس: أعاد المُعمر جودت جميل المصري عقارب الزمن إلى الوراء عدة عقود، واسترد خلال الحلقة التاسعة من برنامج "أصوات من طوباس" لوزارة الإعلام الحكايات العتيقة لمدينته، فيما رسم صورة لبيوتها ومدارسها ورجالها وتاريخها.
يقول وهو يمسك بيديه وثيقة سفره الصادرة في حيفا أواسط الثلاثينيات: ولدت قبل التاريخ الذي حددوه لي في الوثائق، وهو عام 1912، وأنا اليوم قطعت المئة سنة، وعاصرت أخر أيام الأتراك، ولا أنسى إلى اليوم فترة الإنجليز، وعشت العهد الأردني، وكنت شاهداً على الاحتلال الإسرائيلي، وأنا اليوم في عهد السلطة الوطنية.
يستهل الراوي، الذي يُلم بالكثير من التفاصيل العتيقة لطوباس: كنت عضو مجلس بلدي عام 1976، بعد فوزي بالانتخابات، وترأست النادي الرياضي عام 1951، وتتلمذت على يد الشيخ حريص الذي كان مُعلماً وخطيباً، وكانت المدرسة غرفة واحدة، يتناوب بها كل الصفوف.
ووفق المصري، فإن والده كان يعمل في حزب الحاج أمين الحسيني، ويحافظ على أموال الأوقاف وتسجيل الأراضي، فيما قالت له أمه أنه كان في بطنها في عهد الأتراك، وتزوج قبل أكثر من سبعين سنة، من رفعة حمدان، فيما توفيت ابنته البكر نفوز عن 72 عاماً، ويعيش مع أولاده: جهاد، وربحي، ومصباح، وجميل، وبشار، ومحمد، وموفق، ومنذر، وله أكثر من 90 حفيداً وحفيدة، يستطيع عدهم وإحصاء ترتيبهم.
يضيف: تعينت في "خدمة سجون فلسطين" عام 1947، وخدمت في نابلس وكان مدير السجن محمد بيك العريض، ولم أقابل خلال وجودي الثوار الذين اعتقلتهم بريطانيا، وشاهدت فقط بعض المجرمين واللصوص، وعرفت أنهم كانوا يحتجزون الثوار في سجن عكا. وكان أبن عمي مالك المصري رئيساً لجمعية العمال بنابلس، فيما كان العمل في مع الإنجليز ليس ممنوعاً من أي فصيل، ولو عدت لأيام الشباب لن أعمل معهم في أي مهنة.
مما يحفظه: كنا نسمع أن الإنجليز يسجنون أي شخص يستمع إلى الإذاعات المعادية حسب وصفهم، أو يقول كلمة عدوهم في الحرب ( هتلر)، وينكلون بمن يملك أي سلاح أو رصاصة، وعشنا اشتباكات بين الثوار والإنجليز عام 1941 على طريق جبع بمحافظة جنين، وأسقط ابن عمي إبراهيم أبو هليّل طائرة، وكان مطارداً، وقد قتلوه غدراً، بعد أن رفض تسليم سلاحه.
يتابع: تزوجت عام 1941، وكنت شاهداً على النكبة بكل تفاصيلها، وعشت لحظات إقامة مخيم الفارعة قرب عين الماء، التي كانت قوية جداً، وشهدت تساقط الثلوج بنابلس أول الخمسينيات، وساعدت عمي في فتح الطريق بالمجرفة، ليصل من بيته إلى دكانه.
تعامل المصري بالجنيه الإسترليني والفلسطيني أيضاً وبه دفع مهر زوجته 70 جنيهاً، وانتقل للدينار الأردني، والشيقل الإسرائيلي، ويتمنى أن تعود العملة الوطنية إلى جيوب الناس، فيما سافر مشياً على الأقدام إلى سوريا وبالحافلة إلى الحجاز، وقل تنقله هذه الأيام.
يفيد: كان التنقل بين الأردن وفلسطين سهلاً جداً، لدرجة أن الناس كانوا يحضرون العرس في الضفة الشرقية ويعودون لطوباس ليلاً.
يوالي: عملت في سكة الحديد في حيفا قبل النكبة، وعشت النكسة أيضاً، وكانت طوباس قبل سقوط البلاد صغيرة، لكنهم اليوم سرقوا معظم أرضها، وزرعوها بالمستعمرات.
ينهي: كل شيء يتغير هذه الأيام: الناس، والبلاد، والبيوت، والمدارس، والشتاء، والقلوب...
بدوره، قال منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إن "أصوات من طوباس" يسعى إلى تتبع ملامح الحياة في المحافظة، وينشر قصصاً تقدم صورة للحال الذي كانت عليه، ويستعرض تجارب وإبداعات وحكايات الحياة بشتى إيقاعاتها.