الرئيسية / الأخبار / أسرى الحرية
الأسير الفلسطيني بين براثن الاحتلال وإهمال المحامين بقلم الاسير طارق سلمان
تاريخ النشر: الأحد 20/03/2016 09:03
الأسير الفلسطيني بين براثن الاحتلال وإهمال المحامين بقلم الاسير طارق سلمان
الأسير الفلسطيني بين براثن الاحتلال وإهمال المحامين بقلم الاسير طارق سلمان

   ليس غريبا أن يتآمر الاحتلال بكل مؤسساته الأمنية والقانونية على الأسير الفلسطيني منكّلا ورادعاٌ ومعاقباٌ وممارساٌ لكل أشكال العنصرية والظلم بحقه, ولن يضيف جديدا من يحاول الكتابة عن ذلك إلا أنه يعرض تفاصيل قصة تتغير فيها الأزمنة والأماكن والأسماء وتتشابه مع آلاف مثلها التفاصيل والوقائع لكن الغريب والمفجع _ربما- أن يكون لمحامٍ يُفترض فيه أن يكون له دور مباشر أو غير مباشر في هذا الإجحاف الذي يتعرض له الأسير وكأن الأسير ينقصه المزيد من الخصوم والمتآمرين!

 

  وتحاول وسائل الإعلام العربية والفلسطينية تسليط الضوء على معاناة الأسرى وفضح ممارسات الاحتلال القمعية ضدهم ومع ذلك فإني ما اعتبره (أم المصائب) لم يتحدث فيه أحد _ربما_!

  هل يتصور أحد من محبي الأسرى أهلهم أو أنصارهم أن أحدهم يمكن أن يقضي أعواما طويلة وراء القضبان جراء إهمال أو جشع أو لا مبالاة محاميه الذي يدافع عنه أمام المحاكم الإسرائيلية؟!

  إنَّ هذا الأمر لم يعد سريا وبات لا يمارس في الغرف المغلقة ليلا بل صار جهارا نهارا, وللأسف فإن الكثير من المحامين لا ينظر إلى الأسير على أنه إنسان من دم ولحم وعواطف (فضلا عن كونه مناضلا ضحّى بعمره من أجل حرية شعبه) وينبغي إنقاذه من غياهب الجب بل ينظر إليه كرزمة من دولارات أو كسلعة ثمينة تشكل أفضل مشروع للاستثمار أو الاستغلال!!

  وسأذكر شاهدين اثنين من عشرات القصص التي جمعتها على مدار سنواتٍ من التقصي والبحث, أولاهما: قصة الأسير المحرر نائل أبو نصر من قطاع غزة حيث ترافع عنه محامٍ يعمل موظفا لدى إحدى الجهات القانونية التي تُعنى بالأسرى وأبلغه أن النيابة العامة تطلب حكما ب 15 عاما وبعد عدة محاكم أخبره أنه استطاع الحصول على صفقة ب12 عام, ولأن الأسير المحرر أبو نصر معتقل للمرة الثانية ويعرف ألاعيب الصفقات والنيابة والمحامين فقد رفض الصفقة وعين محاميا خاصا صديقا للعائلة وبدون أجر مادي لأن الأسير من سكان غزة فأحضر له صفقة ب 6 أعوام ونصف ولو لم يفعل ذلك لظلّ في السجن 6 أعوام أخرى يدفعها من عمره وشبابه.

   وثاني القصتين: قصة الأسير وفا أحمد الداموني من مخيم العين _نابلس حيث أخبره المحامي المعين له من قبل إحدى الجهات القانونية أن النيابة الإسرائيلية تطلب له حكما بالمؤبد مدى الحياة لكنه وعده بأن يبذل قصارى جهده لتخفيف الحكم وبعد عدة محاكم جاءه والابتسامة مرسومة على وجهه مبشِّرا أنه جهز له صفقة ب32 عام وهذا أفضل من المؤبد, لكن الأسير الداموني وأهله رفضوا الصفقة وعينوا محاميا خاصا على حساب العائلة ودفعوا له 20 ألف دولار استطاع أن يحصل له على صفقة ب 15 عاما أي أقل من نصف المدة التي كان سيقضيها على يد المحامي الأول.

  إن عشرات القصص التي جمعتها يكاد المال (توفره أو انعدامه) يكون هو السبب المباشر في أن يكون الحكم خفيفا أو مرتفعا !

  فمع هذين المثالين اللذين استطاعا تخفيض حكميهما هناك عشرات الأمثلة (بل مئات) لم تستطع تغيير المحامي المعين من جهة قانونية تعمل لصالح الأسرى لقلة خبرة الأسير وأسرته أو لانعدام المال اللازم دفعُه للمحامي الخاص ليعمل بجد واجتهاد ويخفّض الحكم على عكس المحامي الموظف من الجهات القانونية التي يتلقى راتبه المقطوع أو المحدد على عدد الملفات التي يترافع عنها فهو لا ينظر إلى الأسير إلا أنه ملف أو رقم فيقبض عليه كذا وكذا, وكلما زادت الملفات زاد الأجر , سيجنيها بأي طريقة إذن.

  وفي عشرات المرات يأتي المحامي إلى جلسة المحكمة فيسجل المعلومات ثم يترافع عنه ليحكم كما تريد النيابة!!

  هي محكمة واحدة إذن رآه فيها إذ لم يكن وقته يسمح له بالحضور سواها ثم ترافع عنه بعد أن أخذ المعلومات في قاعة المحكمة وانتهى الأمر, لقد انتهى من ملف سيقبض ثمنه ليستلم سواه وهكذا.

  وفي سؤال لأحد المحامين عن ذلك قال أن بعض الأسرى أو الفصائل الفلسطينية أو الجهات القانونية التي توظف المحامين للمرافعة عن الأسرى تُحضر أحد المحامين وتُسلّمه (20) أو (30) ملف دفعة واحدة, ثم تبدأ عملية مساومة بينهما و(مفاصلة) على سعر الملف ويحاولون تخفيض السعر للحد الأدنى لذلك لا يكترث المحامي بهذه الملفات ولا بقراءتها حتى لا وقت لديه ولا مقابل (مجدٍ) على الملف فيكون همه جمع أكبر عدد من الملفات للحصول على أكبر مبلغ من المال ( وبالتأكيد) لن يتمكن من قراءتها جميعا على عكس لو تم تعيينه بشكل خاص من قبل أسير وأهله فإنهم سيدفعون له مبلغا مجديا سيجعله يهتم بالملف!!

  وفي النهاية فإن الأسير هو الضحية.

   منذ أكثر من عامين وأنا أجهز لعمل استقصاء صحفي عن هذا الموضوع وأجريت عشرات المقابلات مع أسرى كانوا ضحايا لإهمال المحامين أو جشعهم أو ضحايا صفقات مشبوهة يعقدها محامون مع النيابة بحيث يكونوا معنيين بتخفيض حكم لأسير (دفع لهم أو له مكانة قيادية) فتوافق النيابة مقابل أن يعقد المحامي صفقات تردع أسرى آخرين (لا يهتم لهم ذلك المحامي)!!

  ومع أني أعتبر أن إهمال المحامين في الدفاع عن الأسرى يشبه إهمال الأطباء في التعامل مع المرضى حين يسببون لهم الموت أو الإصابة بعاهات دائمة ومع ذلك فإني لم أجد وسيلة إعلام واحدة تساعدني في إكمال الاستقصاء لأن جوانبه كثيرة ومتشعبة لأن البعض تعذر لأني موجود في السجن لذلك آثرت الاكتفاء بهذا المقال الصغير أطرق به جدار الصمت!!

  ولم يتبقى لي إلا صرختي الأخيرة أوجهها رسائل إلى عدة جهات, الرسالة الأولى: إلى أهالي الأسرى وأقول لهم أدركوا أبناءكم وكونوا حذرين ومتيقظين لأن السهو ولو لبعض الوقت قد يكون ثمنه سنوات طوالا لإبناءكم خلف  القضبان, والثانية: إلى وزير الأسرى فأقول ينظر إليك الكثير من الأسرى على أنك الأب الحاني والأخ الشفوق عليهم, أنت الأقدر على وقف هذه المهزلة, الرسالة الثالثة: إلى اللجان المسئولة عن الأسرى داخل الفصائل الفلسطينية وإلى المؤسسات المتابعة لقضايا الأسرى أقول يجب أن يكون هناك لجان محاسبة وتحقيق وتدقيق تُتابع المحامين الموظفين عندكم فحياة الأسرى وأعمارهم ليست رخيصة وأنتم مسئولون أمام الله وأمام الشعب عن هذه الثلة المجادة المضحية. رابعا: وسائل الإعلام التي أتمنى أن تسلط الضوء على هذه القضية بعمل التحقيقات والتقارير والاستقصاء بالوقوف على جانب الخلل للعمل على علاجه وتصحيح الأخطاء الحاصلة.

  وأخيرا لقد تجنبت ذكر المحامين أو الجهات القانونية التي أراها مقصرة, شهادتي ليست تشهير بأحد وإنما أريد أن أساهم في الانتصار لإخواني الأسرى المصدومين, ولم أجد وسيلة إلا قولي هذا وأنا على استعداد بإعطاء جميع المعلومات التي حصلت عليها وجمعتُها لأي جهة تريد المحاسبة والمتابعة.

بقلم: طارق سلمان

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017