يعقوب اسعيد
نقشات الإزميل في يد العامل على صفحة الحجر موسيقى، ثورة الماء في دلة القهوة موسيقى، زغرودة العرس والشهادة موسيقى، أجراس الكنائس وآذان المساجد وضجيج الطلاب في ساحات المدارس موسيقى، ضحك الرفاق ورصاص الثوار موسيقى، وصرخة امرأة ولدتنا وتلدنا وسوف تلدنا كل يوم موسيقى، فلسطين موسيقى.
هكذا بدأت الرحلة ، رحلة الروح التي لطالما انتظرها أهالي مدينة جنين بكل شغف وحماسة ، عرض موسيقي تقليدي روحاني، ضمن فعاليات مهرجان فلسطين للموسيقى الروحانية والتقليدية " رحلة الروح".
ويستند تأسيسه على الاعتقاد بأن الوقت قد حان لتوسيع فهم الناس عن فلسطين، وإعطاء عالم الموسيقى شعورا بالعالمية، من خلال الترحيب بالثقافات الموسيقية الأخرى، ومنح فرصة جديدة للحياة في هذا المهرجان الممتد بفعالياته خلال رحلة موسيقية من الجمال والبهجة ليسلط الضوء علىالثروةالمعمارية للمدينة،ابتداء من السكان الرحل الذين عرفواالأحجارالكريمة وقساوةالصخورالصحراوية إلىمنغولي اوالهند ومن الأندلس إلىراجستان ومن أجدادافريقي إلىآسي االقديمة..
يركز المهرجان الذي أقيم في مدرسة فاطمة خاتونالتي تعود للعهد العثماني، على ظاهرة الانتماء والهوية والتنوع الثقافي، وعلى المواقع الاثرية في فلسطين، فالرحلة شملت بلدات فلسطين القديمة من خان الوكالة في نابلس، إلى ساحة الآثار في سبسطية إلى السيباط فيجنين.
الفرقة الأولى فرقة ديفانا القادمة من صحراء راجستان الهند، التي حافظت على مورث شعبها رغم تمدد الحياة المعاصرة، من خلال موسيقى تدمج بين الطبيعة والثقافة لإخراج الروح والشعور، وتلاها عرض لفرقة عمرة القادمة من منغوليا، تلك التي قدمتغناء بدويا يعكس أصوات ما وراء الطبيعة.
وعبر إياد ستيتي مدير مؤسسة الكمنجاتي التي نسقت المهرجان عن سعادته بكل تفاصيل الحدث، بداية من العرض الموسيقي الرائع وصولا للجمهور الذي تفاعل بشكل كبير مع العرض وتأثر به، وبعد سؤاله عن دور الكمنجاتي كمؤسسة موسيقية فلسطينية أجاب :"الكمنجاتي تهدفلنشر ثقافة الموسيقى بين أبناء شعبنا الفلسطيني، وتهتم بعمل فعاليات ونشاطاتلإتاحة الفرصة لشعبنا أن يرى ثقافات الشعوب الأخرى
فالفنون تعكس عراقة وجمال الشعوب".
وقال سعيد أبو معلا أستاذ الاعلام في الجامعة العربية الأمريكية أن المهرجان الموسيقي هو مهرجان أصيل
يعطينا نوع مختلف من الموسيقى، ونحن كفلسطينيين غير معتادين على هذه الذائقة الغنائية والموسيقية ، واستحضار هذه الموسيقى خصيصا هو جزء من الإدارك المعرفي، وأهمية هذا الموضوع يكمن في تعرفك على موسيقى غيرك لتكون جزء من قوتك .
وأضاف : "إن الموسيقى التي سمعناها مهددة بفعل العولمة لكونها شيء تقليدي، وهي تشبه الفلكلور الفلسطيني المهدد من الاحتلال الاسرائيلي ، وهناك تحدي آخر وهوكيفية استمتاعك بشيء لا تفهمه، مؤكدا أن الاحساس والشعور يفوق الفهم، والناس قد شعرت في عمق ما يقال وأحست به، وهذا بحد ذاته إنجاز كبير".
وقالت سلام محمد طالبة جامعية إن هذا اليوم استثنائي ، فالعرض غير عادي أبدا، من يغمض عينيه يشعر أنه ذهب إلى عالم آخر ، لجمال ما قدم من فن راق ، وأضافت :"صحيح اني لم أفهم كلمة واحدة إلا أنني استمتعت بشكل لا يوصف، فالموسيقى لها وقع خاص على الأذن وتداعب الروح بخفة وجمال".
وانتهت رحلة الروح ليغادر كل متفرج بعدها إلى بيته وروحه تسكنها بهجة الموسيقى الصوفية الجميلة التي آثرت أن تترك إيقاعا موسيقيا في جنين مدينة الجنائن.