يا وردة بيضاء ظنها الرائي في بواكير طفولتك قد ذبلت وانتهى حضورها ومتوقع تألقها، وإذ بها وفيها ومنها ورد الورود، ومورد كل بياض وناصعه، وكل ثلج ابيض في اليقين أبلج دواخله ومستقر مسكنه، يبدو من الورد أبيضه ذاويا وكأنه إلى الفناء صار كأن لم يكن؛ ليس الماء ولا الندى ينفعه وينعشه. وأنت وان حرقت شموس الدنيا كلها بياضا فيك ظاهرا، فما كان يا والدي المولود دون ولد إلا تمام إنسان غُلّف حاله بقوقعة صلداء ليس يضرها ولا يؤذيها ولا ُيركسها ولا يُنكسها ولا يَنكبها كل الضواري ولا الأذى ولا اللأواء ولا المحن، لتبقى يا ورد الورد الأبيض الأبلج في دواخلك الإنسان الإنسان والعمق العمق والنبي النبي، لتبقى يا ورد الورد دون السخافات، وبينك وبين ما يَشغلُ به كثير خلق من متاع الدنيا الزائل مسافات ومسافات، لتبقى يا سيدي النبيل كما شئت أنت يوما أن تصفني بالمحامي النبيل، وليس غيرك يا تاج الرؤوس نبيلا إذ أنت النبيل، ونعم الفارس النبيل في زمن العروبة، التي ضاع منها النبل على زمانك وزماننا، ويكأنه القحط، حين كنت أحاورك في لقاء الطفل الذي يحاول أن يعرف طيب السجايا وحسن الأدب وطريق العقل، من كان مثلي في تواضع قدره وشأوه في حضرة الحاضر ولو لوحده، في أفق سامق ووسيع وبعيد، يطاول كل شموس الدنيا وأقمارها والنجوم، ويلقي نظره الذي لا يمل، على ماض بعيد يفتش فيه، عن أصل العرب لما كانوا عربا؛ وتكتفي يا سيدي من كل المحاسن بقهوة العرب، لما كانت قهوة العرب، كم انك بار يا سيدي بالعرب، ويكفيك منهم رمز به تُوصل المقطوع، وتنسج منه نسيج غزل قد نكث.