كتب: تيسير نصر الله
فاجأني خبر رحيل الأخت المناضلة ربيحة ذياب لدرجة كبيرة جدا، فلقد نزل النبأ على قلبي وعقلي كالصاعقة، واحزنني جدا هذا الرحيل المفاجئ، وأثار دهشتي هذا الغياب الصامت، فكيف لربيحة ذياب التي كانت تملأ الدنيا بحضورها الصاخب والمؤثر أن تغيب بكل هذا الهدوء؟ رحيلها اشعل فينا المواجع والذكريات العاصفة، وأصابنا في الخاصرة، واعادنا إلى عالم الدهشة حين نفقد كل يوم جزء من تاريخنا برحيل الأحبة ممن كان لهم بصمات مؤثرة في مسيرة ثورتنا، ونحن نودعهم بقلوب تدمع فإننا نؤمن بقضاء الله وقدره بأن هذه المسيرة التي خضبها هؤلاء القادة بدمائهم الطاهرة لا يمكن لها أن تتوقف إلا بتحقيق الأهداف التي قضوا من أجلها.
ربيحة ذياب إمرأة جاءت في زمن المستحيل، ومن بدايات عهد نكران الذات، وانخراط الروح في فكرة الثورة حتى درجة الذوبان، قاتلت العدو بقناعة راسخة لتؤكد ريادية المرأة واسهامها المباشر في المسيرة الثورية، غير ابهة بحجم الثمن الذي ستدفعه اعتقالا أو استشهادا أو نفيا أو مطاردة، وعندما انتصرت ربيحة على كل ذلك كانت جديرة بكل تلك المواقع التي شغلتها، سواء كانت على صعيد المرأة حين تسيدت وزارتها، ام على صعيد حركة فتح حين تبوأت مجلسيها الثوري والاستشاري، ام على صعيد الشأن العام حين أخذت مقعدها في المجلس التشريعي الفلسطيني.
لم تقبل ربيحة ذياب عبر مسيرتها أن تكون مجرد رقم نسوي لتعبئة الفراغ، وبعبارة أخرى رفضت أن تكون ديكورا لتزيين مائدة المؤسسة الفلسطينية بالنساء للتدليل على أننا شعب نؤمن بالمساواة ومشاركة المرأة في كافة مجالات الحياة، فكانت حاضرة بقوة تأثيرها ومنطقها وأصالة تجربتها وصدق تعاملها مع أخيها الرجل الذي لم تر فيه إلا رفيق درب وسلاح.
خسارتنا كبيرة برحيل إحدى أهم رائدات العمل النسوي والوطني الفلسطيني، ولا أبالغ أن قلت أنني لا أستطيع رسم صورة للمشهد النسوي الفلسطيني بدون حضور ربيحة ذياب، فهي الحاضرة دائما وابدا في تفاصيل المشهد الوطني الفلسطيني بشكل عام.
ولكنني أؤمن بأن هذه الحركة النسوية قادرة على تعبئة هذا الفراغ الذي سيتركه رحيل ربيحة ذياب، لما لهذه التجربة من جذور ضاربة في عمق التجربة الفلسطينية الطويلة.
نودعك ونحن أكثر شوقا إليك، نودعك ونحن أكثر عهدا ووفاء لمسيرتك. فارحلي مع الراحلين وأنت أكثر يقينا بأن هذه المسيرة ستمضي بنفس العزيمة والإصرار والإيمان الذي فاضت به روحك.