نعيش اليوم في مجتمع العادات والتقاليد التي يقدسها الكبير قبل الصغير في المنزل العربي الذي طغت عليه العقلية المتصلبة المتغطرسة في تمجيد و تبجيل ظلمات الماضي.
عادات عفى عنها الزمن غير أن الكثير منها لا زالت خالدة متجذرة في أوساطنا دون مبرر أو سبب, فباتت دستور يسير عليه كل من زرعت فيه إنتماءات لأباطيل كثيرا ما تتعارض مع الدين غير أن سطوة المجتمع الذي نعيشه غطت بظلمات جهلها على نور المثقفين فيه فباتوا عبيدا له دونما وعي.
فعلى سبيل المثال الإسلام حث على إشهار الزواج و إعلانه ومن يشتمل الإشهار على ذكر إسم العروس الذي يعد حقا لها و ليس إنتقاصا لها,غير أن ثقافة العيب الذي وضعها مجموعة ممن يدعون الشهامة والخوف على الشرف إعتبرت إسمها عورة يجب إستبداله ببدعة أطلقوا عليها "كريمته" فإعتقدوا أنهم يكرمونها وهم يعلمون في قرارة أنفسهم مدى الإهانة التي يوجهونها لعزيزتهم, و إذا ما خالف أحدهم هذا الشرع فقد كفر و إرتد ولا سبيل للغفران والندم.
ففي مجتمع العيب محرم كل أنواع التفكير حتى التفكر في الدين جريمة لا توبة فيها ولا مجال للخوض والإستئناف في محكمتها التي يعد قاضيها " حاميها حراميها" فما يتماشى مع مصلحته الخاصة مسموح للجميع وما يتعارض معه فهو محظور حظرا تاما.
الدين يسر لا عسر, جاء ليوسع على الناس لا ليضيق عليهم غير أن هذه العادات التي بدأت تتخذ من الدين غطاءا لها لا تعلم هذا الأمر والجوهر فيه.
في الأمس القريب قام شاب في جامعة خضوري بتقديم مفاجأة لخطيبته التي عقد قرانه عليها في المحكمة الشرعية بشهادة الشهود إلا أن المجتمع المقنع بقناع الشهامة والعفة سارع لتوجيه النقد اللاذع بالذم والتشهير "ساقوا فيها" مع العلم أن الكثير ممن إنتقدوا لو نظرنا في تاريخهم لوجدنا ما لا يحمد عقباه ولكن لعجزهم و ضعفهم عن كسر قواعد التبجيل المجتمعية تستروا بالنقد فلو اتيحت لهم الفرصة لفعلوا أكثر من ذلك .
الشاب خالد تجرأ و تمرد على قوانين المجتمع بفعل تداوله المسيئون والمادحون لفترة وجيزة ذهبت مع نسمات الأيام غير أني متأكد بأن زوجته المستقبلية لم ولن تنسى تلك اللحظة,لحظة أدخلت لقلبها سرور الكون كله,لحظة تتمنى كل فتاة أن تعيشها ولكن ليست أي فتاة تتجرأ على القبول بهذا الأمر.
هو فعل قناعاته التي تعدى عليها المجتمع بالذم بإعتباره أخل بالأدب والحياء العام, أي حياء عام أخله به شخص مع شريكته الشرعية إذا كان الدين لم يحرم ما فعله فلم نحن نحرمه, وفي خصوص الحياء العام الذي نظروا إليه من منظارهم المزيف,سؤالي لهم لماذا تعاميتم عما يحدث كل يوم من تحرش جنسي و خدش علني للحياء في شوارع رام الله وغيرها من المدن أم أن ذلك حلال وهذا حرام في شرعكم؟؟
مجتمع تافه مستتفه أعمى تعامى عمن لا يستطيع إنتقاده وتوجيه الإساءة إليه و إكتفى بالهجوم على من هم بسطاء أرادوا أن يكونوا مميزين ببساطتهم.
مشكلة تغلغلت في هذا المجتمع كالسوس في فروع خضراء لشجرة يانعة في بستان مليئ بالجمال, جعلت الناس يقارنون بدع إخترعها بعض الجاهلون من البشر كنظام إلهي محكم دون وعي بأن هذا السوس إن لم يعالج بالحكمة والوقار ستفسد البستان كاملا وتؤدي به للهلاك.
بتنا في هذه الأيام نخاف العيب أكثر مما نخاف الله عز وجل خوف من أقوال الناس لا من أقوال رب العباد, نفعل ما لا يرضي قلوبنا لنجعل الآخرين يرضون نَتعَسُ و نُتعِس أبنائنا من خلفنا لنرضي قطيعا يقوده جهل أسود وتقليد أعمى.
فأصبحنا كالرعية التي أقنعها حاكمها بأنه يرتدي ثوب يكشف الغبي فخوفنا من كلمات الأخرين جعلنا نصمت عن الحقيقة التي نراها و هي أنه عار تماما فلا صحة لأقواله و لكن الهاجس العبثي المسيطر على هؤلاء الأفراد منعهم من التجرأ على قول ما يرونه, فكل واحد يظن في قرارة نفسه أنه غبي بسبب تلك الحيلة التي أرسخها شخص متغطرس و جاهل لنعيش في ظلمات كبيرة.
و لو إلتزمنا بما يقوله الدين كما نلتزم بثقافة العيب و بدستور المجتمعات البائد لما وجدنا أم تبكي أبنائها في حلب ولا حجاب في الأقصى ينتهك ولا تميز بين مسلم ومسيحي في العراق, لما وجدنا إساءة لجارنا من أهل الكتاب,لما وجدنا جائعا في ظلمات المساء.
ولأكثر أهمية أنه لو إلتزمنا بقواعد الشرع لما ظهر من يسيء للدين الذي إحترم الديانات الإخرى على مر التاريخ, و لما ظهر شبح "داعش" الدموي وغيره ممن شوهوا الصورة الحقيقية لهذا الدين الحنيف.
يجب علينا أن نعيد النظر إلى عاداتنا, تقاليدنا, و معتقداتنا و نثريها بالقواعد السليمة و نبدأ بالتغير من أنفسنا فلو تشجع كل واحد فينا وتمرد على ما هو خاطئ من عادات وتقاليد بائسة لتحررت شعوبنا من جهلها و سادت العالم كما سادته منذ مئات السنين.