memantin iskustva memantin alzheimer memantin wikipedia"> عشر سنوات على إصابته الحرجة: أسامة السلوادي يقهر الغيبوبة بالأمل وينتصر - أصداء memantin iskustva memantin alzheimer memantin wikipedia">
الرئيسية / الأخبار / فلسطين
عشر سنوات على إصابته الحرجة: أسامة السلوادي يقهر الغيبوبة بالأمل وينتصر
تاريخ النشر: الأربعاء 05/10/2016 09:15
عشر سنوات على إصابته الحرجة: أسامة السلوادي يقهر الغيبوبة بالأمل وينتصر
عشر سنوات على إصابته الحرجة: أسامة السلوادي يقهر الغيبوبة بالأمل وينتصر

 بسام الكعبي

الجزء الثاني

مساء السبت في السابع من تشرين أول 2006 وبعد إفطار أحد أيام شهر رمضان الكريم، غادر أسامة السلوادي منزله إلى الاستديو الجديد الذي إنتقل إليه منذ ثلاثة أسابيع؛ لتحضير الصور الفوتوغرافية التي إلتقطتْ في الضفة الغربية نهار الجمعة، وبشكل خاص الصور التي وثقتْ صلاة الجمعة في أروقة المسجد الأقصى المبارك، وتجهيزها للنشر في مجلات أوروبية تصدر صباح الأحد.

 سَمَع من مكتبه في الطابق الرابع من عمارة زيادة المطل على شارع  ركب وسط مدينة رام الله، صوت طلقات نارية في تظاهرة شعبية يطلق فيها قلة من المسلحين النار بعشوائية في إتجاهات مختلفة. دون تفكير، ومن أجل إشباع الفضول الصحفي باكتشاف سر الرصاص المتطاير؛ نَهَضَ بسرعة عن الكرسي لإلقاء نظرة من نافذة واسعة للمكتب، في اللحظة التي تحررت فيها طلقة عشوائية نحو الشباك. في أجزاء من الثانية اخترقتْ الطلقة البطن، وسارت إلى أعلى الجسم لتضرب الكبد، الطحال، الرئة، الحجاب الحاجز والنخاع الشوكي!

 أدرك أسامة خطورة إصابته، وصرخ باتجاه الشبان المشاركين بالمسيرة لإنقاذه، وسقط على الأرض دون أن يفقد الوعي حتى صعود الشباب إلى المكتب. أعطى أول المنقذين رقم هاتف للاتصال بذويه وغاب عن الوعي؛ ليكتشف لاحقاً أن الأغلبية الساحقة ساعدته على وصول المشفى، لكن أقلية هامشية من "المنقذين" جردتْ مكتبه من ثلاث كاميرات قديمة ونادرة؛ يتجاوز عمر الواحدة منها مائة عام!

نقل إلى مشفى رام الله بحالة حرجة، وعجز الطاقم الطبي عن تقديم العلاج المناسب: توقف القلب ونال علاجاً بالصدمة الكهربائية دون فائدة. صَمَد في مشفى رام الله أربعة أيام تحت أجهزة التنفس وفي غيبوبة كاملة؛ دون أن تسمح  سلطات الاحتلال بدخوله المستشفيات الإسرائيلية، أو مغادرته عبر جسر الكرامة باتجاه المشافي الأردنية. تجنّد الصحافيون في العالم للضغط على الاحتلال، ونقل بتنسيق أمني إلى مشفى إيخليوف في تل أبيب، وتبيّن حجم الإصابة: فقرة رقم 12 في العمود الفقري خرجت من مكانها وتركت بلا علاج. نزيف داخل المعدة. مياه على الرئة. تهتك الطحال. جرثومة هاجمت الدم وكانت أكثر خطورة من الإصابة!

 نفذ الأطباء ثلاث عمليات جراحية: تثبيت فقرة في العمود الفقري. تنظيف المعدة والرئة. استئصال  الطحال. ظل أسامة في غيبوبة طوال أربعين يوماً بسبب جرثومة الدم وصعوبة العمليات الجراحية، ولم يتوقع أحد نجاته، لكنه "خيّب ظن العدم" وفق بلاغة الشاعر المرموق محمود درويش.

خيالٌ يفترس الواقع!

خلال الغيبوبة الطويلة التي خطفتْ أربعين يوماً من عمره؛ تحررتْ روح أسامة من جسد مقيّد بالمطلق على سرير الشفاء، وتداخل الخيال بالواقع، ولم يعد الجريحُ قادراً على التمييز بين الوقائع والأحداث المتخيّلة، وبدت كأنها فيلم تسجيلي يشاهده ويستعرض دوره فيه بطريقة سقط فيها الهامش بين الحقيقة والخيال: "حضر" حفلة موسيقية في ألمانيا للموسيقار الشهير بيتهوفن. "إلتقط" بعدسته مجموعة صور للإمام الخميني عندما عاد منتصراً بثورته وحط في مطار طهران قادماً من باريس مطلع  شباط 1979؛ وقد حطّم بثورته نظام الديكتاتور رضا شاه بهلوي في إيران. "عاش" أسامة سنوات في لندن وتجول طويلا في شوارعها. "شاهد" نفسه يمشي في شوارع موسكو، و"صافح" مجموعة من الممرضين الروس بأرديتهم البيضاء. "قرأ" أسامة أحرف إسمه كاملاً على لافتات شوارع في رام الله، و"تجول" في ضواحي جديدة للمدينة لم يعرفها من قبل. "إختبر" تعذيب المخابرات الإسرائيلية وغمره المتكرر بالثلج، و"منعه" من الشرب رغم عطشه الشديد، وبلوغه حافة الموت بنار تشتعل في جسده.

أحسّ بواقع غريب يدور حوله، لكنه كان يحلق في عالم خاص به، يعجز فيه عن النطق، وحتى التنفس، لأن البربيش يخترق حنجرته. كان "يرى" المرافقين حوله كأنهم محققين يكاد يسمع صراخهم، ولا يقدر على التواصل معهم، والرد على أسئلتهم. الأحداث المريعة التي عصفت بكوابيسه وليله الثقيل الطويل؛ دفعته لهذيان قسري، حتى ظنّ المحيطون به من ذويه أنه فَقدَ عقله، لعجزهم عن تفسير خيال الجريح المختلط بالواقع.

عندما أدركتْ حواس أسامة حقيقة غيبوبته الطويلة، خاف من سلطان النوم، وظل يقاوم إغماض عينيه حتى لا يفقد واقعه مرة أخرى، وحتى لا يغيب مشهد سرير الشفاء، رغم قسوته، من أمام بصره. ولمّا أنهكه الأرق دسّ طبيب مناوب حبة منوّم في وجبة الجريح؛ لعل جسد  المنهك يستريح قليلا في النوم.

إنتصار واقعه على هذيانه وخيالاته دفعته لاحقاً لإعادة قراءة ملحمة محمود درويش الشعرية الفلسفية (جدارية) التي حاور فيها التغييب، ورفع راية بيضاء في مواجهة ملك الموت: "لا أرى جسدي هناك، ولا أحسُّ بعنفوان الموت، أو بحياتي الأولى. كأني لستُ مني. منْ أنا؟ أأنا الفقيدُ أم الوليدُ؟" وقال درويش في مقطع آخر: "وأنا..حكيمٌ على حافة البئر. لا غيمة في يدي. ولا أحد عشر كوكباً على معبدي. ضاق بي جسدي. ضاق بي أبدي. وغدي جالسٌ مثل تاج الغبار على مقعدي".

 إهتم أسامة بفلسفة الحياة والموت، وأطلَ على نصوص متخصصة تتناول العقل الباطن؛ ولا زال يتساءل عن سر قدرته في تخزين الصور والأحداث والخيالات، قبل أن يعيد إنتاجها بطريقة عجيبة خارجة عن السيطرة والإرادة، ويستعيد دوماً درويش من ملحمة جداريته: "رأيتُ رفاقي الثلاثة ينتحبون، وهم يخيطون لي كفناً بخيوط الذهب".

إستعاد أسامة حواسه بالتدريج بعد غيبوبة خطفتْ أربعين يوماً، وتأملَ بصمت الشراشف البيضاء وأنابيب البلاستيك الكثيرة وأجهزة العلاج، قبل توجه رئيس قسم الجراحة في مشفى إيخيلوف إلى سريره وخاطبه: أنتَ محاربٌ قوي إنتصرتَ على إصابة حرجة جداً، وكنتُ على قناعة أنك لن تنجو إلا بمعجزة، لكن للأسف لن تستطيع المشي على قدميك منذ الآن! سَمَع أسامه الترجمة، ثم مرر بصره على ساقين ثقيلين جداً، ورد على الطبيب: الأمر واضح لي، لكن أعدك بأن أنهض ثانية وأمشي؛ لأني محارب قوي كما قلت.

فَقَدَ أسامة ثلاثين كيلو غراماً من وزنه، وبات غير قادر على الحركة مطلقاً إلا بمساعدة إثنين من الممرضين، وشعر بثقل يده وإرتعاشها عندما حمل القلم وحاول الكتابة. إنتقل بعد شهر من العلاج  إلى مشفى آخر  متخصص في التأهيل، وبدأ يتحسن بالتدريج: طلبَ جهاز كمبيوتر وبعثَ برسالة طمأن فيها أصدقائه عن صحته، وأخذ يتواصل إليكترونياً مع الأصدقاء والمؤسسات المهنية، وتمكن من بيع إحدى لقطاته البارعة لصحيفة بريطانية: طفل صغير يركب دراجة هوائية ويرتدي كمامة للوقاية من الغاز.

معجزة البقاء

أنهى ستة أشهر من التأهيل في المشفى، وقرر المغادرة على مسؤوليته الشخصية، بعد تحسن طبي طرأ على فقرات ظهره، وقد رفض أسامة كل محاولات الأطباء بضرورة إجراء عملية ترميم اللحم أسفل الظهر؛ بسبب تآكله وتقيحه نتيجة ذوبانه بسبب النوم لمدة طويلة على الظهر. سَمعَ من  أصدقائه عن طبيب سوري يقيم في ألمانيا باعتباره أفضل جراح للعمود الفقري وعلاج إصابات الشلل. أرسل للطبيب تقريراً يوجز وضعه الصحي، وجاء رد الجراح: التقرير لا يصلح إلا لرجل ميت! أجاب أسامة: أنا الميت يا دكتور. أخبره أخصائي العمود الفقري: عليك الإدراك أنك حيّ بمعجزة، ولا خيار أمامك سوى الصبر حتى تستعيد عافيتك، من أجل أن تستجيب إلى علاج مناسب.

بعد ظهر الحادي والعشرين من آذار 2007، وعلى وقع الاحتفاء السنوي بعيد الأم ومعركة الكرامة، وصل أسامة بيته في حي الطيرة غربي رام الله. وجد كل الصحافة بإنتظاره، وأجهش الصحافيون ببكاء مرّ؛ عندما أطلوا على كرسي متحرك يقيّد حركة صحافي شاب وقد بات مقعداً. غسل أسامة وجهه بتراب الأرض، وخاطب زملاء المهنة بالتماسك والكف عن البكاء، مؤكداً إيمانه القاطع بالقضاء والقدر، وأن الإنسان مهما ناور لن يستطيع الفرار من قدره.

 تماسك المصوّر وتكيّف مع ظروفه الجديدة: غيّر رخصة قيادة السيارة، إستبدل مركبته القديمة، وغيّر مكتبه، وشطب درج بيته، وبات أكثر إستيعاباً للإصابة القاسية التي وضعته بمواجهة حقيقية لتحدي الإعاقة؛ مهما بلغت المصاعب والحواجز، وإتخذ قراره بالانتصار على "مُقعدٍ" مقيّد فوق عجلات كرسي، ليحرر عدسته المتوهجة ويطلق العنان أمام بريقها، وبخاصة أنه تخلص، بعد أربع سنوات على إصابته، من الطلقة التي فتكت به، وغيّرت مجرى حياته: ظلتْ تسري في جسمه حتى سقطتْ يوماً أمام بصره في الحمام، بعد تسليطه ماء ساخناً لتنظيف جرح بلون الصدأ؛ أخذ يتشقق في ظهره بالتدريج، لتسقط الطلقة تحت بصره، وقد احتفظ  بها في أرشيفه المتعدد..والغريب في الأمر أنه كلما سأل عن كتلة في ظهره؛ يأتيه جواب المختصين: "لا تقلق، هذا دمل دهني سيزول قريباً"؟!

..يتبع

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017