تقرير ضحى احمود:
على كرسيها الخشبي تجلس كعادتها، تنثر أوراقها على الطاولة المقابلة وتنصب كراس رسمها بيدٍ، وبيدها الأُخرى تمسك ريشتها بخفة، تراقصها يميناً ويساراً بلمساتٍ سحرية تضفيها على رسمةٍ فتوهبها حياةً وتزيد الجميل جمالاً.
ربا محفوظ شحادة ذات الثامنة عشر من العمر، من قرية عوريف جنوب محافظة نابلس، طالبةٌ في كلية الفنون بجامعة النجاح الوطنية في سنتها الأولى، تميزت منذ صغرها برسوماتها الإبداعية التي كثيراً ما نالت إعجاب كل من شاهدها.
تذكر ربا: "القلم والكراس لم يفارقاني أبداً منذ صغري. كنت اصطحبهم معي إلى أي مكانٍ أذهبه، مقلدةً رسم الشخصيات الكرتونية التي أشاهدها على التلفاز في برامج الأطفال".
موهبتها فطرية، منحها إياها الله وطورتها مع الممارسة. أول مسابقةٍ شاركت بها كانت في الصف العاشر، حين اقترحت عليها إحدى معلماتها المشاركة برسم صورةٍ تعبيرية، تتحدث عن طرق المحافظة على الصحة وكيفية الوقاية من الأمراض، وحينها حصلت ربا على المركز الأول ضمن المدارس التابعة لجنوب نابلس.
تقول ربا: "صُعقت وشعرت أن قلبي توقف من شدة السعادة، وامتزجت مشاعري بين الدهشة والفرحة عند سماعي خبر الفوز، لم اكن اتوقع حصولي على المرتبة الأولى".
وتضيف: "والديَّ كانا الداعمان الأساسيان لتنمية موهبتي وقدراتي بالرسم. عبر دعمهما النفسي وتشجيعي الدائم والتعليقات الإيجابية، إضافةً إلى توفير الكراس وكافة المعدات اللازمة. وأذكر ذات يومٍ اصطحبني أبي إلى معرضِ رسم، حينها أحببت الأمر كثيراً وأيقنت أن روحي تعلقت به".
تشارك ربا رسوماتها عبر موقع دوز الإخباري، وما أن تمر دقائق على نشر إحداها، حتى تتهافت عشرات التعليقات المشجعة إعجاباً وانبهاراً بجمال عملها. منهم من يعلق بـ"مبدعة ورائعة"، وبعضهم من يقول "أنتِ فنانة"، وآخرون يطالبونها أن ترسمهم.
إن تمعنت النظر فيما يحيط بهذه الرسامة، لن ترى شيئاً إلا وقد وضعت عليه لمستها الفنية. حتى ذاك الصندوق الأزرق الحديدي الذي يخبئ في جوفه محبس الماء، زينته بالورود وأطلقتها للحياة؛ انطلاقاً من فكرة "الماء أساس الحياة".
الرسم بالنسبة لربا رؤية إبداعية، فتكمل: "عند النظر إلى المناظر الطبيعية، أرى قدرة الله وإبداعه في هذا الكون. فلولا وجود صنيعه سبحانه لما كان للفن معنى، وبمجرد رسم صورة تعبيرية للأصلية، يكون الفرق بينهما هو القدرة الإلهية على خلق الجمال الحقيقي الذي يصعب تقليده برسمة".
قدوتها الطفل الفلسطيني محمد قريقع الرسام الصغير تردف قائلةً "عندما انظر الى رسوماته المُبدعة اشعر وكأنها ذات معانٍ عميقة، يجسد فيها معانة وطنه رغم صغره، فيزيدني اصراراً وقوة من اجل الوصول الى ما اريد".
أما عن تخصصها الجامعي، فلم تجد ربا صعوبة في اختياره، فهو قدرٌ قبل أن يكون اختياراً. وقد ساعدها بذلك دعم أهلها المتواصل منذ البداية.
تسعى ربا إلى إيصال فكرةٍ للناس، عبر تحويل الفن والرسم بشكلٍ خاص من عادةٍ إلى عبادة. وإيصال رسالةٍ للعالم بأن العرب والمسلمين منتجين للإبداع والفن، ولهم تاريخٌ عريق وانجازاتٌ عظيمة تشهد لهم.
وتختتم ربا حديثها قائلةً: "اقرأ الكثير عن حياة الرسامين العالميين، أمثال بيكاسو ودايفنشي، والرسام الإيراني أيمن المالكي. أتمعن لوحاتهم الفنية وأتوه بين تفاصيلها، التي لا يفهمها إلا من عشق سحر الرسم وتنفس هواه".