الرئيسية / ثقافة وأدب
خاطرة من الاسر بقلم داليا فقها
تاريخ النشر: الأحد 30/10/2016 19:16
خاطرة من الاسر  بقلم داليا فقها
خاطرة من الاسر بقلم داليا فقها

 لم أعلم كم كان الوقت حينها، ما أعلمه أن أمي لا تسمح لي بالنهوض في هذا الوقت؛ ففي الصباح الباكر عندي مدرسة، يجب أن استيقظ ولا أتأخر على الحاجز فلا يسمح لي بالدخول، إلا أن تلك الليلة كانت مختلفة فقد استيقظت أنا وأمي وأبي وأخوتي على أصوات سياراتهم الكثيفة وكلابهم الجائعة جاء أخي يصرخ بسرعة انه "الجيش".

لم يلبث أن يتكلم حتى كانوا بيننا بعد أن كسروا قفل بابنا، أخرجونا من المنزل واخرجوا جيراننا، كان الجو باردا جدا في تلك الليلة فقام أبي بانتزاع الجاكت الصوفي الذي صنعته أمي ووضعه على كتفي، كنت في أحضان أمي حين سمعت اسمي من احدهم لم استدرك ما قيل، جملة واحدة هي التي ضاقت عليها ذاكرتي "مطلوبة لأنها تشكل خطر على أمن إسرائيل" كان يقولها أثقل من حروفها، أذكر حينها أنهم لم يسمحوا لأمي بالصراخ ولا حتى البكاء كانوا باستمرار يتوعدون بقتلي أو ضربي إن أحدثنا أي صوت،  كان أبي يطلب منهم أن يأخذوه بدلا عني أمي كذلك، فما كان من أحدهم إلا أن ضرب أبي ببندقيته فأوقعه أرضًا، انتشلني من بين يديها كما ينتشل العصفور الصغير من تحت جناحي أمه، وكانت لعبتي لا تزال بيدي، قام برميها على الأرض مع أني أمضيت وقتا طويلا بتصفيف شعرها، كان حذاؤه كبيرا على وجهها حين داس عليه، كنت أود البكاء الصراخ أي شيء لم يسمحوا لي حتى بالتفكير بذلك ربطوا يداي فسقط جاكت أبي، قامت أمي بترجيهم والدعاء لهم أن يسمحوا لي بإدخال يداي في الجاكت، كان الجندي صارمًا لكنه ألقى به على رأسي بطريقة آلمتني.

     بعد ذلك دخلوا بيتنا، وكنا نستمع إلى التكسير كما نستمع لحبات البرد الكثيفة على الشباك عندما تنقطع الكهرباء، كانوا يحملون العديد من ألعابي حين خرجوا منه وكانت ضحكاتهم متعالية، "الباربي" ذات الفستان الجميل قطعوا رأسها، الدب "ويني" انتزعوا الصوف من أحشائه، الحصان الخشبي كسروا أقدامه، وكنت لا املك حتى دموعي وقتها كنت أبكي بصمت وكل ما تمنيته أن تأتي جماعة "كسلاحف النينجا" أو" شباب الابجدية" فتخلصنا من شرهم، قطعت أمنيتي غمامة سوداء التفت حول عيناي مع أني أخاف الظلام، كنت أصرخ بشدة وكانوا يسحبونني بقوة أكثر حتى أني وقعت أكثر من مرة، آلمتني قدمي كثيرا كنت أعلم أن بكائي لن يسمع، لكن الوجع كان أصعب من التزام الصمت، ضربني أحدهم على وجهي، أمسك برأسي وأدخلني السيارة، ما كنت اسمعه حينها هو صراخ أمي كان ممتدا أكثر من صراخها حين كسرت في يدي الزهرية الفاخرة من جدتي المتوفية، حينها كانت أصوات ضحكاتهم عالية على الرغم من الموسيقى الصاخبة، وبالرغم من ألمي كنت أفكر أن ذلك الجرم قد يكون يشبه السبب الذي جعل القبطان "نامض وعلام "يأخذوا "لينا"، صحيح أنه لا يوجد طاقة شمسية لكن كانت تلك الطريقة ذاتها ومسمى الحرب أيضا هو ذاته، كان الوقت طويلا في السيارة إلى حين الوصول إلى مكان كل ما أذكره منه هو مجرد أخيلة؛ فقد كانت عيناي قد نسيت النور في تلك اللحظة، عندما نزلت من السيارة ازداد الألم أدخلوني إلى غرفة أظن أنها في الجهة المعاكسة للشمس لها باب يغلق ولا يفتح تشبه في مظهرها "العلية" التي منحتها الأنسة "منشن" للمسكينة "سالي".

     حاولت أن استلقي على الفراش كان متسخا جدا وله رائحة كريهة، يشبه إلى حد كبير ما تضعه صديقتي في صندوق قطتها، والغرفة مليئة بالنمل والحشرات، خفت كثيرا فجلست على الزاوية على الرغم من أن الغرفة كلها تشكل زاوية، كان أفضل بكثير من رائحة الفراش، قالوا لي إنه وقت الطعام كنت جائعة جدا، لكن ألمي لا يسمح لي بالتفكير بغير نفسي، أحضروا لي حبة صفراء قالوا لي أنها ستخفي كل الألم مني، وضعتها في كأس الماء حتى ذابت، ثم شربتها لكن لم يكن هناك قطعة حلوى لتذهب مرارتها كما كانت تعطيني أمي، كان الألم قد سكن للحظات كنت فيها قد أنهيت طعاما كل ما أذكره أنه يشبه الطعام الذي كانت تقدمه أمي للطيور في بيتنا، لم أشعر أن له أي طعم، عندما أخرج سأخبر أمي بذلك علها تغيره، قالوا لي ستعرضين على المحققين، كنت أتساءل هل سيكون المحقق مثل "كونان" أين الجريمة إذن؟ هل أنا شاهد؟ أم ماذا؟... أسئلة قطعتها مجندة أمسكتني ثم وضعتني في غرفة أكثر اتساعًا من سابقتها، عادت فكبلت يدي لكن هذه المرة كانت أكثر ألمًا من سابقتها كونها على كرسي ويداي في الخلف.

     جاء الضابط... ما اسمك يا جميلة؟ يا إنه لطيف..! فكَ قيدي وأحضر لي البسكويت وعصير الفرولة، بعد أن تناولتها سألني من كان يلقي معك الحجارة على الحاجز؟ أتعلمين هذا الملثم؟ من يكون؟ يوجد صورة توضح أنه كان يحملك... أخبرته أني لا أعلم من يكون، فقط أنقذني من الغاز المسيل حين ضربه الجنود على الحاجز... وقف المحقق، قال لي مرة أخرى من هذا يا صغيرتي اخبريني وسأوصلك إلى البيت، وكانت عيناه وقتها قد تلونتا باللون الأحمر، كانت تشبه عيناي "كاسبر" عندما يسأل "ريمي" عن الغلة أو عن مشكلة أحدثها أحد الأطفال  كأنه يلعب دور "المقنع "، خفت كثيرا فبدأت بالبكاء، ضغط على رجلي المصابة لم أحتمل صرخت وفاضت عيناي، "أنا لا اعلم شيء انأ أريد أمي"، أخذتني المجندة بعد ذلك إلى محقق آخر وكبلت يداي مرة أخرى، كان صوته مرتفعا جدا كان يصرخ ويقول:" اعترفي آيتها المخربة قولي لي من هذا؟ ولماذا ترمين الحجارة؟"... كانت عيناي قد استنفذت دموعها على الرغم أنني لا زلت أبكي "أنا لا اعرف شيئاً، أريد أمي"....

    كلمات كنت أقولها وعيناي منتفختان من النعاس، وهو أظن أنه لا يعرف سوى "اعترفي آيتها المخربة"، جاء بعد ذلك محقق أخر، قال لي أنت كاذبة لم  يكن لدي أي قوة لأقول له أني أقول الصدق كنت أريد الخروج من الغرفة فقط؛ فعيناي ليس بمقدورهما تحمل الدموع وعدم النوم أكثر من ذلك قلت له:" مش متذكر بكرة بتذكر".

    كنت أقولها وهو ما يزال يصرخ "أنتي قمت بضرب الحجارة صحيح اعترفي آيتها المخربة"، لم أعرف كيف قلتها لكن ما أعلمه أني قلت "أجل كما تريد أنا ضربت الحجارة" صرخ بقوة أكبر، "ليس كما أريد.. أنت قمت بضرب الحجارة"؟، أجل... أجل ... أنا ضربت الحجارة  كنت لا أستطيع الوقوف وكانت هذه الكلمة الأقصر والأسهل على لساني كانت رجلي قد تخدرت، وأنا نسيت كيف أشعر بالألم، كل ما أعلمه أن هناك شيء سيمنع عن عيناي النوم.

    قام أحدهم بسحبي مرة أخرى إلى الغرفة الأولى وبدا لي الفراش البالي مريحا جدا بعد هذا الكابوس، لكن رائحته عاودتني إلى الحقيقة مرة أخرى، أحضروا  لي حبة صفراء مرة ثانية شربتها دون أن أذيبها وكنت لا استطيع الوقوف عن البكاء، كانت صورة المحققين لا تشبه صورة "كونان" كانوا أشرارًا مثل "كاسبر" أنا لم افعل شيء ؟ لماذا لم يصدقوا؟ حتى الحجارة لم ألقيها على الحاجز، كنت أكتفي بالنظر فقط ؟ لماذا لم يصدقني؟ إن دموعي لا تعني له شيء؟ أنا أعرف أنهم سارقون وظالمون يجب أن لا أخاف.. هكذا قالت لنا المعلمة... أن الحق سينتصر، لكني كذبت أسئلة وكلمات لم توصلني إلى أي طريق... شيء واحد ما علي أن أفعله غدًا أنْ أكون بقوة "ريمي".

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017