نقل السفارة الأميركية إلى القدس أصبح موضوع الساعة أكثر من جميع الأراضي التي تسرق بشكل يومي، أكثر من إعدام الأطفال بشكل يومي، أكثر ضياع القدس المستمر بأشكال مختلفة، حسب وجهة نظري القضية ليست لها علاقة بالرئيس الأميركي الجديد، بقدر ما لها بعقلية النخبة السياسية الفلسطينية وما تريد؟ وكيف تحقق ما تريد؟ وهل الشعب يستطيع تحمل الخيارات المختلفة للمواجهة؟!
العديد من الملفات الوطنية لم يتم التعاطي معها بروح المسؤولية ضد همجية الصهيونية وأدواتها الكولونيالية، وأكبر مثال هو رأي محكمة العدل الدولية في الجدار، المتمثل بأغلبية أربعة عشر صوتاً لواحد "أن بناء الجدار الذي تشيده إسرائيل وهي سلطة الاحتلال في الأرضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك في أراضي القدس الشرقية وما حولها، وملحقاته يتعارض مع القانون الدولي"، وأصبح الجدار أمراً واقعاً نتعامل معه بشكل يومي ومؤسساتي.
وهنا علينا أن نطرح على أنفسنا العديد من الأسئلة، والابتعاد عن التصريحات الإعلامية الفضفاضة كفقاقيع الماء التي لا تُحدث حتى أصواتاً، من هذه الأسئلة على سبيل المثال لا الحصر: هل أعددنا خطة داخلية؟ عربية؟ دولية لمواجهة نقل السفارة الأميركية للقدس؟ هل علينا مواجهة الولايات المتحدة أم مواجهة الإدارة الأميركية الجديدة؟ على صعيد المؤسسات الدولية هل أعددنا خطابات وتحركات محددة؟ أم سنكون مشاهدين لردود الأفعال فقط؟ هل نستطيع أن نستثمر هذا الحدث بالحدث الحقيقي الأكبر وهو تهويد القدس بشكل يومي وابتلاع العديد من الأراضي الفلسطينية بشكل ممنهج؟ ما هو مطلوب من الدول العربية في ظل المتغيرات الدولية الحالية؟ وما هي خطط الدبلوماسية الفلسطينية في كل بقاع العالم أينما وجدت سفارة/قنصلية فلسطين؟ هل سنخوض حروباً دبلوماسية ثم نتراجع في اللحظات الأخيرة؟! بالتالي تتزعزع الأسلاك الدبلوماسية بيننا وبين الآخرين!!
من زاوية أُخرى وحسب وجهة نظري، ان مدلولات وتبعيات نقل السفارة من قبل ترامب له معنى كبير أكبر من الفعل ذاته، وهو أن الإدارة الجديدة لم تحترم المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة وقراراتها، وأنها انتقلت مع إسرائيل من حالة الصداقة الى مؤسسة الزواج الرسمي وبشكل علني. إذن علينا إعادة صياغة مفاهيمنا بناءً على هذا الزواج المبكر مع الإدارة الجديدة، ووضع تصور بإخراج الولايات المتحدة من موقع الوسيط_الذي لم تكن به يوماً ما_ ووضعها في وضع الدولة المعتدية، الخارجة عن القانون الدولي.
قد تسألني عزيزي القارئ ما العمل بعد كل ما سبق؟ باعتقادي أن ما سمعته من د. ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس مجلس إدارة مؤسسة "ياسر عرفات" مساء يوم الأربعاء الماضي في متحف الشهيد ياسر عرفات بمدينة رام الله، من تقييم لقرار مجلس الأمن 2334، وخطاب وزير خارجية أميركا جون كيري والإدارة الأميركية الجديدة ومؤتمر باريس، يؤسس لخطة استراتيجية وطنية فلسطينية دفاعية وهجومية فيما يتعلق بالاستعمار الإسرائيلي والرد/الردود المناسبة في كل تحرك تقوم به الإدارة الأميركية الجديدة.
متمنياً على القيادة الفلسطينية بمختلف أطيافها الاطلاع على ورقة القدوة ومناقشتها ثم تبنيها والعمل على تنفيذها بأسرع وقت. المجتمع الفلسطيني أصبح مشبعاً بالعديد من التصريحات الواهية غير المدروسة كرد فعل على تصريحات ترامب، لهذا أتأمل من د. ناصر نشرها قريباً على الصعيد المجتمعي الشعبي لتداولها ونقاشها، لأن الموضوع ليس فقط تحركاً دبلوماسياً وإنما مجتمعي كل في موقعه.