كتبت نور سلامة

وها أنا في هذه الثواني أنظر وأتأمل في الطبيعة ..سماء عالية، ورمال زاحفة، وأراض وعرة، سهول واسعة، وجبال شامخة، حينها انتابتني غصة أي فلسطيني حين يرى أرضه ووطنه أمام عينيه وجيوش الاحتلال تنهشه كغزال ضعيف، فجميع الأراضي التي ملأت نظري وسلبت فؤادي، هي تحت سيطرة الإحتلال الإسرائيلي.  

حيثُ عمد جيش الاحتلال لإقامة معسكرات تدريب بين المنشئات السكنية في الأغوار خاصة في سد حزيز اللذي يقع في منطقة أغوار عقربا، وفي أماكن تواجد البدو وأصحاب المواشي في مناطق (العِزب)، وإطلاق النيران الكثيفة عليهم وعلى مواشيهم بشكل مباشر وتعريض حياتهم للخطر، وذلك لدفعم للمُغادرة والتخلي عن هذه المناطق التي يستفيد الفلاحين من جغرافيتها الملائمة لرعي الأغنام.

بحجة التدريب العسكري تسيء "إسرائيل" معاملة سكان التجمعات المحلية في الأغوار، وتزيد من صعوبات الحياة عليهم عمداً، وذلك كجزء من سياسة تهدف إلى الحد من الوجود الفلسطيني في المنطقة (C) وهذه الأعمال منافية للقانون الدولي الإنساني.

رافقني في جولتي إلى الغور النابلسي-عقربا دليل سياحي وحكواتي "حمزة العقرباوي"  والذي يسكن قرية عقربا الواقعة جنوب شرق مدينة نابلس، ففي جعبته الكثير من المعلومات التاريخية، والأثرية فأشار إلى أن سد حريز  يقع في منطقة أغوار بلدة عقربا – الغور النابلسي إلى الشمال الغربي من منطقة فصايل وهو عبارة عن سهل صغير يتسط سلسلة تلال وجبال وعرة في الغور ماراً منه الواد الأحمر أحد روافد نهر الاردن.

وأضاف العقرباوي أنشأ الجيش الأردني عدة معسكرات في الضفة الغربية خلال الفترة التي تبعث فيها الضفة الغربية لشرق الأردن (1950-1967) ومن هذه المعسكرات معسر حوارة  وعوفر ومعسكر الجفتلك في الغور ومعسكر سد حريز في الغور أيضاً

وبعد حرب حزيران 67 وانسحاب الجيش الاردني من فلسطين وخضوع البلاد للاحتلال الاسرائيلي  هُجر معسر سد حريز، فقام جيش الاحتلال بالسيطرة عليه ومنع الناس من الاقتراب منه وكان بعض الفلاحين قد سارع لأخذ بعض المؤن بسبب الفقر وضيق الحال وذلك بعد سيطرة الإحتلال على المعسكر.

وقام جيش الاحتلال الاسرائيلي بنسف غالبية غرف الجيش الاردني وأبنيته مبقيا بعض المخازن التي استفاد منها في اطار معسكرة الجدسد الذي انأه الى الشمال من موقع المعسكر الاردني حيث كانت الدبابات الاردنية تصطف على تلال المعسكر وتُركت هناك حتى سنوات قليلة ماضية، وقد عمل الجيش على تحصين الموقع وحفر خنادق وسراديب وملاجئ تحت الارض في الموقع.

وكان لهذا الموقع العسكري خطورة بالغة في ملاحقة وتعقب الفدائيين الذين عبروا الى فلسطين عبر نهر الأردن حيث كان موقع المعسكر مخفي ومن السهل نصب كمائن للفدائيين بالقرب منه وذل قبل تدشين المعسكر بشكل رسمي.

وتابع العقرباوي قد جرت عدة معارك كبيرة في منطقة المعسكر خلال السنوات (1967-1970) بين الفدائيين وجيش الاحتلال أشهرها معركة بير الحمام 1969 التي اعتقل فيها الفدائييون ومعركة سد حريز حيث استشهدت الدورية الفدائية ومعركة الصوانة جنوب سد حريز حيث اشتشهد 8 من الفدائيين ومعركة طلوع عمرة حيث قطف الفدائييون في الطائرات والمدفعية الاسرائيلية.

وكما كان لكمائن الجيش في منقطة معسكر سد حريز دور في ملاحقة المتسللين عبر النهر لجل تهريب البضائع خلال تلك السنوات حيث قتل العشرات من أبناء المنقطة وهم ما يعرفوا حالياً بالمفقودين والذين لا يعلم أهلهم مصيرهم حتى اللحظة .

إلى هنا وأتوقف لأضع قلمي ، والذي كان هو أداة الغوص في هذه الرحلة الممتعة ، والجولة الرائعة في هذه الطبيعة الساحرة برفقة الحكواتي حمزة اللذي جعلني أتعطش أكثر لتاريخ فلسطين وحفظي لتلك الحكايات والقصص الممتعة التي سردها لي في الجولة.