الرئيسية / الأخبار / فلسطين
المسير في وادي الزقازيق... استعادة لذاكرة المكان
تاريخ النشر: الثلاثاء 07/03/2017 06:29
المسير في وادي الزقازيق... استعادة لذاكرة المكان
المسير في وادي الزقازيق... استعادة لذاكرة المكان

 كتبت تسنيم ياسين

"هيا يا شباب اشحنوا طاقاتكم، اعلوا هممكم، سنقطع وادي الزقازيق أو ما يعرف بالوادي الأحمر" هكذا أعلنها صاخبةً الحكواتي الباحث في التراث حمزة العقرباوي لفريق طاقم أصداء الذي كان ينظم جولة في بلدة عقربا الواقعة جنوب شرق مدينة نابلس.

في البداية وقبل بدء المسير وقف الفريق أمام خزان ضخم يمدّ المستوطنات بالمياه، فتح العقرباوي أنبوباً لتجري المياه وتشكل مساراً مائياً في الوادي، وقليلاً بعد بدأت المياه تتدفق من نقطة في الأعلى لترسم لوحة بهية بعناصر الطبيعة المتلاحمة، ويأتي هذا التدفق بسبب عملية التفريغ التي تتم للخزان لزيادة كفاءته حيث إنه في فصل الشتاء ينخفض الضغط على المضخة ما يقلل من كفاءتها في العمل.

كانت الشمس في بداية مسيرها لتتوسط السماء، والمياه أخذت مجراها ونحن بدأنا المسير وكل واحد منا منشغل بالنظر أسفل منه يتحرى الصخور والحجارة التي كانت منتشرة في المكان بتوزيع كأنها نُسِّقت بأيدٍ فنية بديعة، والتي أدركنا فيما بعد أنها لم تكن سوى نموذج مصغر للصخور التي كان علينا القفز من فوقهالاحقاً.

ما سرنا عليه في البداية كان سجادة من الحشائش متفاوتة الخضرة تتناثر عليها ورود شقائق النعمان أو ما يعرف بورد الحنون، ذاك الورد الذي ارتبطت أساطيره بدموع الحزن والشوق على اختلاف الروايات فهي إما دموع شقيقات النعمان بن ماء السماء اللواتي بكينه حتى نمت الوردة على قبره، أو دموع شقيقات يوسف بعد أن ألقوه إخوته في الجبّ، أو هي دموع عشتار التي بكت أدونيس بعد أن حالوا بينها وبينه وقتلوه.

   ومن مسافة بعيدة خلفنا استطاعت أبصارنا أن تلتقط صورة لحاج كبير في السن، بعباءته البنية وحطة رأسه كان يقطع نفس الطريق التي نقطعها، تعالت أصوات الدهشة والاستغراب، فنحن بدأت أنفاسنا تتقطع مع أننا في البداية فكيف سيستطيع هو السير؟ استطاع بعضنا الوصول إليه ليعلن بلهجته البدوية أنه قادم من السعودية بعد 38 عاماً من الغياب، ولن يشفي غليل الشوق والحنين إلا التعب والشقاء بين صخورها وفي أوديتها.

موسيقى المياه الجارية غطت على كل صوت، ورويداً رويداً صار الفريق يتباعد، وبين لحظة وأخرى كان لا بد أن تتعالى صوت صيحة من تعثر أو علق فوق صخرة لم يستطع النزول عنها أو من يطالب بالراحة والجلوس ليختلط صوته مع صوت آخر يعارضه مطالباً باستكمال المسير، أو هي صيحات حمزة وهو يرشدنا بالطريق التي نسلكها بنداءات شعرية من ذاكرته التراثية "يلا يا حبايب، سكر عالقلب دايب"، أما الهواتف نفد شحنها وصار لا بدّ أن نسير ونعيش اللحظة بذاتها دون أية مؤثرات غير صوت الطبيعة وصورها.

 بأسلوبه الحكواتي روى العقرباوي حكايات وأساطير دارت أحداثها في هذا الوادي كقصة الفلاح مع آخر نمر بري وكيف واجهه وحده وسط هذا المقطع الصخري الوعر، وبطولات من مروا في هذا الوادي وهم ملاحقون من السلطات التي حكمت فلسطين على مر التاريخ والتجربة النضالية للشعب الفلسطيني.

وبينما نحن نقطع المقطع الصخري أيضاً ونلتقط ما يحدثنا به عن النباتات التي نصادفها ونتذوق ما صلح منها، ضج الوادي بنباح كلاب كانت تقف فوق الجرف الصخري المرتفع، هنا تمكنا من لمح ثعلب يهرب من الكلبين مستغلاً انشغالهما بمرورنا، ليتخفى بلونه بين تموجات الصخر ويختفي عن الأنظار، قليلاً بعد صاح عقرباوي: "أين القناصون، أين من معهم كاميرات"؟  لكن لم يكن هناك أحد منهم قد لحق بنا بعد، لقد كان صقراً يحوم في الأعلى في مشهد مهيب لم يكن أحد منا يتصور أنه موجود على الأقل في الضفة التي هي جزء من فلسطين الضائعة بجمالها وهيبتها.

وصلنا الجزء المسمى بالوادي الأحمر، لنقف أمام مرتفع بتربة حمراء كانت في روايات هي السبب وراء التسمية، وبأسلوبه الحكواتي بدأ يسرد لنا ذاكرة الوادي الثورية مع أحمد المحمود أبو جلدة وصالح العرميطي، ثم عز الدين القسام ومكوثه في الوادي، وهنا استحق الفريق راحة حتى يستأنف المسير إلى باقي المحطات. 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017