بمناسبة انعقاد القمة العربية التي لا اعلم رقمها, دار في ذهني شريط سريع عن تراجيديا عالمنا العربي و الإسلامي يتخلله الكثير من القمم التي لم تتمكن من رفع مستوى و أداء مؤسساتنا السياسية و لا من يحكمون بفتح الياء و لا من يحكمون بضمها , الى مستوى الاحداث العظام التي مرت بمنطقتنا و لا زالت ,, قمم ببروتوكولات و مراسم عالية التجهيز زارت معظم العواصم العربية و لكن لم تدخل قلب و لا أعماق أي مواطن عربي له ما له و عليه ما عليه ,, و لم تشكل أرضية حلول لقضاياه و اهتماماته .
و تساءلت : منذ متى و نحن نخطي ء ؟ و متى راجعنا اخطائنا و تعلمنا منها ؟,, بل منذ متى يخطط لنا ضد مصالحنا و التنفيذ بأيدينا ؟ ,, و خلصت الى ان هناك مراحل عديدة مرت بأمتنا شابها هذه المظاهر ,, و لكن وجدت ان التسارع الأخير في الانحدار قد تأثر كثيرا بحقبة تناهز الاربعون عاما ألقت بظلالها على حياتنا بشكل كبير و لعل ما نشهده اليوم و نتوجس منه خيفة غدا مرده الى هذه الحقبة و اقصد هنا ذاك الزمن منذ الحرب العراقية الإيرانية و التي سبقها التمهيد في زج الامة الإسلامية في حرب أفغانستان التي أسست و رعت و دعمت التطرف و العنف - احد أدوات تخريب العالم العربي و الإسلامي - و سأقفز هنا عن حرب أفغانستان لأستعرض ماذا حصل لنا و ماذا خطط لنا و كيف ننفذ سيناريو الخراب منذ حرب العراق - ايران .
حرب بين أكبر قوة عربية في تلك الفترة ,,عسكريا و علميا و اقتصاديا - بلاد ما بين النهرين - و اكبر قوة ناشئة إسلامية بعد الثورة في ايران .. و هي ما وصفها كيسنجر بسياسة الاحتواء المزدوج بضرب هاتين القوتين ببعض و عندما سئل عن مصير المنتصر في الحرب أجاب : نستطيع التعامل مع النتائج و تطويق المنتصر ,, نعم لقد تورط الطرفان في حرب مدمرة قتلت الملايين و زجت كل دول المنطقة في أتونها بالمال و السلاح و استمرت سنوات أخرجت العراق ( منتصرا ) شكليا و متورطا حتى النخاع في نتائجها الاقتصادية و تبعاتها ,, حتى طالبه من ساهم في توريطه بالالتزامات ,, و استدرج للخروج من مأزقه بحرب جديدة و هذه المرة مع ( المخطط و المايسترو) الولايات المتحدة ,, و ذلك بعد استدراجه لاحتلال الكويت ,, و لا ابالغ ان قلت ان عالمنا العربي و الإسلامي لا يزال يدفع و سيدفع ثمن التورط و المساهمة في تنفيذ ما خطط و بأيدينا مرة أخرى .
لا أريد الإطالة في السرد التاريخي لأن ما حصل يحتاج الى مجلدات و لكن أقول ان الذي حصل أسس و رعى و بنى التشدد الديني و الصراع الطائفي ليتحول تقسيم المنطقة من الجغرافيا الى الطائفية و الاثنية ,, و يعاد استدعاء سايكس و بيكو من تحت التراب لصياغة خارطة جديدة تختفي فيها الجيوش و الدول ليؤسس الى احتراب طائفي يعيد تكوين المنطقة بنبات متزمت متشدد تكفيري ,, و يعلو وسطه نبات شوكي ناشز يسمى الدولة اليهودية ,, وما في حد احسن من حد ,, طالما دول طائفية دينية ,, فلماذا ينكر على اليهود ( حقهم ) في دولتهم الدينية ؟!
هو مخطط قديم يستعمل المال و السلاح و الفكر ليعبث بالمنطقة و يقنع كل منا بالدفاع عن حدود سجنه بل زنزانته لتدفع شعوب المنطقة أثمانا باهظة جدا من الدماء و المقدرات و الممتلكات و لتذوب ما تبقى من مكامن القوة و يسود الوهن و الضعف فنصبح لقمة سائغة ,, و لتدجن الشعوب و ل( تنعم ) دولة الاحتلال في عصر ذهبي يسهل تنفيذ المشاريع التوسعية و تحقيق الحلم .
و اذا تابعنا المسار منذ الحرب العراقية الإيرانية و حتى اللحظة ,,فبعد الحرب و آثارها و احتلال العراق للكويت تحالف الجميع للتحرير و ضرب العراق ,,, . ثم احتل العراق بذرائع السلاح الكيماوي و اوجدت قاعدة أمريكية تهدد الجوار و تعبث بالنسيج الداخلي و بدأت حرب التحرير التي لم تخلص من الانجذاب الطائفي و خرجت أمريكا عسكريا و بقيت استخبراتيا و نفوذا و عبثا في مكونات المجتمع العراقي ,و أول ( الإنجازات) اتفاقية أوسلو بعد مؤتمر مدريد الذي عقد على نتائج الحرب و اسفر عن مفاوضات مباشرة فالاستفراد بالفلسطينيين و استمرار المشروع الصهيوني .
و عندما ارادت الشعوب المطالبة بالحريات و العدالة فيما يسمى ب ( الربيع العربي ) الذي انطلق في اتون الطائفية و الاستقطاب الحاد للتحول ( الثورات ) لوسائل تمزيق و تفتيت للجيوش و المجتمعات ,, فعم الإحتراب و التشدد و ظهرت مكونات جديدة و خطيرة تحمل مسميات مختلفة ,,, فسقطت ليبيا و سوريا و اليمن في المستنقع الدموي ,, و لم تسلم مصر من شظاياها ,, و تحول العالم العربي الى ساحة للتدخلات و النزاعات الإقليمية و الدولية ,,, و عادت سياسة المحاور و التحالفات ,, و برز محور ( سني ) في مواجهة محور ( شيعي) و الهدف ليس إعادة بناء الامة او تحرير الأراضي المغتصبة ,, فلم يكن التنازع على هذا بل لحماية مصالح الطبقات الحاكمة ,, بل ان ما يسمى بالمحور ( السني ) لم يجد حرجا في فتح قنوات مع دولة الاحتلال و تطبيع العلاقات بل و الاتفاق على العدو المشترك ,, انهم شعوب المنطقة و في مقدمة القضايا قضية فلسطين و اقولها للمرة المليون ان فلسطين توضع على مذبح المصالح و التوازنات الإقليمية و الدولية .
و بعد هذا كله قمة عربية !! تحاول استعادة مكانة القضية الفلسطينية و لكن ,, ضمن الرؤى و التحالفات الجديدة ,, اذا فالصراع اللامنتهي في عالمنا العربي و الإسلامي سينتج دويلات الطوائف و يسمح بالانقضاض الكامل على فلسطين لتكون الدماء في سوريا و العراق و اليمن و ليبيا و غيرها ,,, و الثمار و النتائج في صالح دولة الاحتلال و على حساب فلسطين ,, كل فلسطين مع الامتداد الإقليمي ,
هذا هو حالنا و من لا يراه اما انه لا يريد ان يرى او ان الطائفية و التعصب قد اعمى بصره و بصيرته ,,, نعم لقد خطط لنا و كنا الأبرع بالتنفيذ فأعمانا الجهل و التعصب ,, و شاركنا في وضع الافخاخ لشعوبنا و وقعنا في الشباك و المصائد ,,, فلا حمينا دينا و لا وطنا و لا شعبا و لا سلاحا ,, و انما سرنا في دهليز مرسوم للسقوط في وهم الخلاص .
ان الاحتلال يعمل ليل نهار لتنفيذ مشروعه و سيظل يسعى ل تدمير ما تبقى من قوى مقاومة و معارضة ,, و هو يحاول استدراج قطاع غزة لمواجهة تضعف و تدمر القطاع بعد سنوات الحصار تمهيدا لفرض الحل و الواقع كما يريد,, و يعد العدة لمواجهة كبيرة مع المقاومة اللبنانية بعد ان زرع مخالبه و انيابه في سوريا .. و كل ذلك لاستغلال كل ما يحصل لفرض السيطرة على كل فلسطين و امتداد النفوذ و المصالح خارجها .
هذا هو المخطط الذي ارتمينا في أحضانه ,, و لكن و رغم كل الظلام المحيط فما زال الأمل طالما وجد من يرفض ما يحصل و يقاومه ,, و ما وجد المطالبون بالحق و الحرية ,, و ما وجد من يعاكس تيار الطائفية و تسهيل و مقاومة الانخراط في مشاريع الانهاء ,, و هي معركة شرسة طويلة قد نخسر مقدماتها و نفقد الكثير على طريقها و يكسب أعدائنا بعض جولاتها على المدى القريب ,,, و لكن و بقناعة تامة فالنصر حليفنا في النهاية ,,, و يا شعوبنا و أهلنا المطلوب هو الوعي و فهم المحافظة على القدرات و نبذ التفرقة ,, و هذا لا يتم بمؤتمرات و لا قمم ,,, بل بوعي و نهضة شعبية شاملة .
سامر عنبتاوي
29-9-2017