mildin og amning mildin creme mildin virker ikke"> mildin og amning mildin creme mildin virker ikke">
صدقي موسى*
عزيزي القارئ، هل تقبل أن تُصَوِر أحد أقاربك، وهو فاقد للوعي، والدماء تنزف منه؟ هل تقبل أن تُصَوِر جثة شخص عزيز عليك ممدة على الشارع، وتنشرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي؟
أعتقد أن معظمكم سيجيب مستهجنا: ما هذه الأسئلة؟! طبعا لا، ولن أفكر في ذلك أبدا.
إذا، ما بال بعض البشر يتسابقون إلى نشر صور جثث ضحايا حوادث السير وغيرها؟! لن أدخل في تفاصيل الإجابة عن هذا السؤال؛ ما أود قوله هو دعوة لوقف مثل هذه الأفعال المؤلمة، انطلاقا من المبادئ التالية:
احترام كرامة الإنسان: فللإنسان كرامة يجب أن تصان وتحفظ في حياته ومماته، وتصوير الإنسان في حالات مؤلمة كهذه انتهاك لحرمته وتعد عليه.
مراعاة مشاعر أهل الضحايا: أكثر ما يؤلم أقارب الضحايا ومن يعرفونهم، رؤيتهم بصورة غير التي اعتادوا أن يروهم عليها، فكيف إذا كانت الصورة تدمي القلب، وتحفر الحسرة في النفوس!
وفي ظل النشر الإلكتروني، يمكن أن يتم تداول الصورة، وتخزن إلى سنوات طويلة، مما يرفع من احتمالية مشاهدتها مرة أخرى، وتتجدد معها الذكريات الحزينة.
احترام حق الخصوصية: في تصوير الجثث تعد على خصوصية الإنسان، فالخصوصية والاحترام ليس للأحياء فقط، وإنما للأموات أيضا، فكما لا يحق لأحد تصوير شخص بدون إذنه ونشر صورته، فالأولى بذلك الضحايا الذين لا حول لهم ولا قوة.
زرع الكراهية والحقد بين الناس: رؤية أهل الضحايا لصور جثث أقاربهم في موقع الحدث، تشعل في نفوسهم الحقد والعداوة تجاه من تسبب في مصرعهم، وتضعف روح التسامح والتصالح بين الناس.
الفتور وعدم الإحساس: أشارت أبحاث إعلامية، أن تكرار تعرض الجمهور لمشاهد العنف يتسبب بفقدان الإحساس بالتعاطف مع الضحايا، وتقل ردود الفعل المستنكرة، مما يجعل مثل هذه الصور مع مرور الوقت أمرا طبيعيا، وتخلق حالات اللامبالاة.
وخطورة الأمر كذلك، أن تعتبر كثرة حوادث السير، على سبيل المثال، وسقوط الضحايا فيها أمرا طبيعيا لبعض الناس.
التعاطف الإنساني: يجد البعض في مسرح الحدث مادة دسمة ليخرج جهازه المحمول ويصور مصيبة غيره، الذي قد يكون جريحا أو صريعا أو في صدمة نفسية جراء الحدث.
هذا التصرف، إضافة إلى أنه انتهاك لخصوصية الإنسان وكرامته، فيه خروج عن قيم الإنسانية، وفقدان لمشاعر المواساة والشعور بألم الآخرين، والتعاطف مع الضحايا وذويهم.
إضافة لما سبق، يعتبر تصوير ونشر صور الضحايا، مخالفا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعديد من القوانين التي تجرم مثل هذه الأعمال.
الأسباب التي ذكرتها يعرفها معظم الناس، لكن تصوير مصائب الناس ونشرها أصبح سلوكا لا إراديا عند كثير من المواطنين، الذين سهلت عليهم التكنولوجيا الحديثة التصوير والنشر والمشاركة، في ظل البحث عن الشهرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أو زيادة المتابعة للصفحات أو المواقع الإلكترونية، وفي ظل وضع إقليمي سادت فيه الصور الدموية، حتى أضحت هذه الصور أمرا طبيعيا لا شذوذ فيه.
واللوم هنا - أيضا- على من يقوم بالمشاركة في نشر الصور والفيديوهات، وليس فقط على من يصور، فكلها سلوكيات تحتاج منا البحث عن طريقة او معالجة، إلى أن يتحول الإطار المعرفي بفظاعة هذه التصرفات إلى سلوك يطبق لصيانة حرمة المصابين، والقتلى، ومراعاة مشاعر ذويهم، للحد منها، ومن ثم منعها كحالة أو ظاهرة تتشكل في المجتمع.
وأخيرا، سؤالي لك عزيزي القارئ، هل تقبل أن تنشر صورتك، وأنت في موقف التألم أو التوجع أو مهشم الجسد؟.
_________________________
* محاضر في الإعلام- الجامعة العربية الأمريكية