الرئيسية / مقالات
غزة إلى أين بعد تفاهمات "حماس" - دحلان؟ هاني المصري
تاريخ النشر: الثلاثاء 20/06/2017 09:27
غزة إلى أين بعد تفاهمات "حماس" - دحلان؟ هاني المصري
غزة إلى أين بعد تفاهمات "حماس" - دحلان؟ هاني المصري

أكتب من غزة الصامدة المحاصرة التي تتحمل ما لا يتحمله بشر. من حسن حظي وصلت غداة عودة وفد "حماس" برئاسة يحيى السنوار بعد زيارة إلى القاهرة استمرت تسعة أيام، ومن المتوقع كما تفيد مصادر عدة أن تكون فرصها بالنجاح أكبر من سابقاتها، بدليل الأحاديث المتفائلة عن قرب تدفق مئات آلاف اللترات من الوقود من مصر، إضافة إلى ما حدث على هامش الزيارة من لقاءات غير مسبوقة بين وفد "حماس" ووفد برئاسة محمد دحلان انتهت إلى تفاهمات سيشرع في تنفيذها خلال الأيام القادمة.

"ماذا عدا عمّا بدا" حتى تحدث انفراجة في العلاقات الحمساوية - المصرية بعد أن أعلن ترامب ومن الرياض أن "حماس" منظمة إرهابية؟ يمكن تفسير ذلك بحاجة "حماس" للتخفيف من الضغوط المتزايدة بفعل التطورات الأخيرة، خصوصًا ما بعد الأزمة الخليجية ما بين قطر ودول عربية خليجية ومصر، وبعد تفاقم الأزمات المعيشية في قطاع غزة إلى حد ينذر بالانفجار الداخلي، أو باتجاه الحرب مع إسرائيل التي لا يريدها الطرفان الآن على الأقل، أو باندفاع "حماس" نحو إيران باعتباره الخيار الأخير هذا من جهة، وحاجة مصر إلى تعاون "حماس" معها لتأمين حدودها مع القطاع وعدم تسرب الجهاديين التكفيريين من وإلى سيناء من جهة أخرى.

الجديد هذه المرة أن هناك قيادة جديدة لحماس مع زعامة يحيى السنوار للحركة في القطاع، قررت أن تحدث انفراجة في العلاقات مع مصر مهما كان الثمن، ولكن من دون خسارة قطر وتركيا، ومن دون إغلاق طريق تحسين العلاقات مع إيران. صحيح إن تحقيق ذلك يبدو أمرًا صعبًا، إن لم يكن مستحيلًا، ولكن تبقى الأولوية بسبب ديكتاتورية الجغرافيا ومحدودية الخيارات لتحسين العلاقات مع مصر التي يهمها إغلاق الثغرة الأمنية، وإبعاد "حماس" عن الإخوان المسلمين وقطر وتركيا وإيران.

 

وعلى هامش الزيارة، التقى السنوار بدحلان، فما الذي أدى إلى لقاء "حماس" ودحلان الذي هو أشبه بأكل لحم الميت؟ لقد اضطرا إلى ذلك لأن حالة الخصومة المتزايدة مع الرئيس محمود عباس وفرت نقطة التقاء كبيرة جدًا، فلم يعد لـ"حماس" ودحلان طريق آخر، فـ"حماس" لم يعد لديها خيار آخر بعد خطة "أبو مازن" بخصوص قطاع غزة، والهادفة إلى تركيعها وإخضاعها عن طريق تشديد الحصار وفرض العقوبات المتدرجة لدفع القطاع للثورة على سلطة "حماس" إذا لم تقبل مطالب الرئيس، وإذا لم تخضع فلتتحمل "حماس" وحدها المسؤولية عما سيحدث.

كانت "حماس" تفضل - كما يقول قادتها - الاتفاق مع "فتح" والرئيس، ولا يزال يحدوها بقايا أمل بحدوث ذلك، لأن الرئيس خصم بينما دحلان عدو، ولكن خطة تشديد الحصار على القطاع لم تترك للصلح مطرحًا فلا مفر من اقتحام المستحيل ولو بالتصالح بين "حماس" ودحلان.

لقد قدم قائد "حماس" الجديد في قطاع غزة بعض المبادرات الإيجابية، من بينها حل أزمة جامعة الأقصى وفق شروط السلطة ولم ترد له التحية بمثلها، وشجع وسطاء للتواصل مع الرئيس دون تجاوب، بل هناك إصرار على التمسك بخطة (إما أو) ما جعله جاهزًا للرد، وجاء الرد متأثرًا جدًا بتفجر الأزمة الخليجية مع أنه قيد البحث منذ أشهر عدة.

أما دحلان فقد جاءت استجابة "حماس" مع عرضه بمثابة مظلة إنقاذ له، فهو لا يزال يتجرع وجماعته مرارة الإقصاء عن "فتح" بعقد المؤتمر السابع من دونهم رغم الدعم من الرباعية العربية. وحاول منذ مدة إقناع "حماس" بالاستجابة إلا أنها كانت مترددة كما يظهر من خلال إخبار السنوار للعديد ممن التقاهم في الأشهر الماضية أن لديه عرضًا (لم يذكر في البداية ما هو، وذكر لاحقًا أنه من دحلان) يكفل بإنهاء أو تخفيف الأزمات التي يعيشها القطاع، ولكنه يفضل الاتفاق مع "أبو مازن" حتى لو كان على شروط أسوأ، مع أن من الثابت أن أي عرض أو اتفاق مع "حماس"مع أي طرف يجب ألا يمس مصادر قوتها وسيطرتها على القطاع، وخصوصًا الأمن والسلاح.

ما هي التفاهمات، وما فرص تطبيقها؟

أفادت مصادر متعددة أن التفاهمات شملت: أولًا، تفعيل لجنة التكافل الاجتماعي المشكلة منذ سنوات عدة، وتضم ممثلين عن فصائل عدة، إضافة إلى ممثلين عن "حماس" وجناح دحلان، وستبدأ بالعمل خلال أيام بمبلغ مليوني دولار. وثانيًا، الشروع في المصالحة المجتمعية التي تهدف إلى حل مخلفات الاقتتال بدفع الديات وتعويض الجرحى والمعاقين والمتضررين، والتي تتراوح تكاليفها بين 50-150 مليون دولار. وثالثًا، دعم برامج تستهدف الشباب. وأخيرًا، دعوة المجلس التشريعي للانعقاد بمشاركة أعضاء كتلة التغيير والإصلاح وأعضاء "كتلة دحلان" الذين لا يقل عددهم عن 14 عضوًا، ومن يوافق من الحضور من أعضاء الكتل الأخرى، ما يعني توفر غالبية. وهناك بحث باختيار رئيس وهيئة رئاسة للمجلس التشريعي ليس بالضرورة أن تكون من أعضاء كتلة التغيير والإصلاح.

وبعد ذلك، يتم البحث في تقاسم وظيفي لإدارة قطاع غزة، هذا إذا سارت الأمور لجهة تطبيق التفاهمات كما يجب، بحيث يشارك جناح دحلان في إدارة القطاع، وربما تصل الأمور إذا لم تفتح باب الوحدة الوطنية إلى سحب الشرعية من الرئيس، الأمر الذي سيرد عليه الرئيس، أو قد يستبقه بحل المجلس التشريعي من خلال المحكمة الدستورية التي أنشئت أساسًا لهذا الغرض.

كما يملك الرئيس ورقة ترامب الذي يمكن أن يتحرك لمنع تعويم "حماس"، ولعل عدم تحويل الأموال من القطاع لتسديد ثمن الوقود المصري في الأيام الماضية كما تم الاتفاق عليه نظرًا لتدخل السلطة؛ يوضح أن الأمور ليست سالكة تمامًا كما يعتقد البعض.

طبعًا، الأمور مفتوحة على احتمالات عدة، فالتفاهمات يمكن أن تبدأ ويكون سقفها ونهايتها معيشيًا اجتماعيًا، تستهدف حل أو تخفيف الأزمات ليس أكثر، وتأمل بدفع الرئيس إلى وقف تنفيذ خطته العقابية. وقد تتطور الأمور إلى التفاهم على إدارة القطاع، وقد يحرك كل هذا "فتح" والرئيس لفتح طريق المصالحة مع "حماس" لقطع الطريق على عودة دحلان من نافذة "حماس" والقطاع. وهنا يبرز دور دحلان الذي يريد من هذه التفاهمات أن تفتح الباب لعودته للمشهد بقوة عن طريق اعتماده كأحد اللاعبين الأساسيين في القطاع، فهو ليس جمعية خيرية هدفها حل الأزمات المعيشية، وإخراج "حماس" من مأزقها، بل يبحث عن دور سياسي. وقد تطبق التفاهمات وتتطور وتصل إلى تحالف يتم السعي لتوسيعه بهدف التركيز على المشاركة في إدارة غزة، خصوصًا أن فصل القطاع عن الضفة هو السيناريو المفضل إسرائيليًا الذي يتم التعايش معه دوليًا، على أساس أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان.

يبقى أمر آخر، وهو تفسير الموقف المصري، خصوصًا مع ظهور حرص مصري على إبقاء مسافة عن تفاهمات دحلان - "حماس".

ويكمن التفسير في حرص مصر الدائم على إغلاق الوجع الأمني القادم من القطاع المسيطر عليه من "حماس"، وعدم تشجيع مصر لخطة الرئيس إزاء غزة، التي على ما يبدو لم يتم التشاور معها بخصوصها، أو حدث وأبدت عدم تشجيعها لها، ومصر مثل إسرائيل لا تريد أن تصل الأمور في غزة إلى حد الانفجار الذي سيكون في وجه جاريها، أو أحدهما، وتريد أن تبقى السلطة بزعامة "أبو مازن" بوصفها الشرعية المعترف بها حاضرة، وعلى المدى المتوسط والبعيد يمكن أن تحقق مصر إنجازات ملموسة إذا ابتعدت "حماس" عن الإخوان وقطر وتركيا، ولم تعد لتحالفها السابق مع إيران.

هل تفتح الزيارة لـ"حماس" عهدًا جديدًا من العلاقات مع كل من مصر ومع دحلان، أم تفتح طريق الوحدة الوطنية أم أنها انفراجة مؤقتة؟ جميع الاحتمالات مفتوحة، وهذا بحد ذاته أمر جديد، وتتوقف على مدى وسرعة تطبيق ما تم الاتفاق حوله مع مصر، خصوصًا تدفق الوقود وفتح معبر رفح بعد عيد الأضحى بصورة مختلفة عن السابق، وعلى مدى وسرعة تطبيق ما تم التفاهم حوله بين "حماس" ودحلان، وعدم ظهور عقبات لا يمكن تذليلها، ويبقى احتمال حث السير باتجاه الانفصال بين الضفة والقطاع قائمًا لأنه سياسة إسرائيلية مدعومة أميركيًا ومسكوت عنها دوليًا، وسيكبر هذا الاحتمال خصوصًا إذا كان العناد والفعل ورد الفعل سيد الموقف بين الأطراف الفلسطينية المتنازعة، وستحمل الأيام والأسابيع، وفي حد أقصى الأشهر القليلة القادمة، الإجابة الحاسمة.

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017