بقلم: ماجد العاروري
الموقف المتماسك الذي يبديه القضاة باتجاه تعديل قانون السلطة القضائية والذي يشيرون فيه الى ان الكثير من الاشكاليات بل احياناً المصائب التي تصيب القضاء ليس سببه قانون السلطة القضائية، هو امر محق فأسباب هذه الإشكاليات والمصائب في احيان عدة سببها السلطة التفيذية كما أشار عدد من القضاة الى ذلك على صفحات التواصل الإجتماعي، وسببها الآخر هم القضاة أنفسهم والتي لم ينبس احد بكلمة حولها من خلال متابعاتي لما كتب.
القضاء الذي نرى في استقلاله مصلحة مجتمعية قبل أن تكون مصلحة للقضاة أنفسهم، يتحمل القضاة أنفسهم جزء كبير من المسؤولية عن الوهن الذي أصابه، وعليهم أن يقروا بهذه المسؤولية أولاً حتى يكون خطابهم وخطاب المجتمع منسجماً، ومن النقاط التي أرغب أن أشير اليها، من باب التذكير وباب المعاتبة:
- القضاء نفسه هو أول من مس بحرمة قانون السلطة القضائية، ولكن من باب التفسير لا باب التعديل عندما طلب تفسيراً من خلال رئيس الوزراء لإحدى مواد القانون، بهدف الإنتصار على قرار كان يتوقع ان تتخذه المحكمة العليا، علماً بأن لا مصلحة لرئيس الوزراء في ذلك، ورغم ذلك طلب تدخله، وهذا الباب الذي فتحه القضاة أنفسهم لا استبعد أن يفتح مرة ثانية وثالثة وعاشرة، ولا أستبعد أن يكون في اطار تفسير المادة الدستورية المتعلقة برأي مجلس القضاء الأعلى في اي تشريع يعرض عليه، وسيكون عليهم قبول قواعد اللعبة التي بدأوها.
- القضاة أنفسهم يشيرون بقوة الى ضرورة احترام باب الضرورة في تعديل القانون وفقاً للمادة 43 من القانون الاساسي وهم محقون بذلك، لكنهم لم يلتفتوا الى مبدا الضرورة حين نسب مجلس القضاء للرئيس ما عرف في تعديل قانون الإجراءات الجزائية بـ "قانون منع السفر"، والذي احتوى في طياته على تنازل خطير عن اختصاصات المحاكم في اصدار اوامر المنع من السفر، ولم يتم الإلتفات لا للضرورة ولا لحقوق الناس حين نسبوا هكذا تعديل ليتم اصداره بقرار بقانون.
- تنسيب شخص لمنصب رئيس المحكمة العليا من قبل مجلس القضاء الأعلى هو نص قانوني لا يمكن تجاوزه، ومع ذلك أفرغ مجلس القضاء الأعلى هذا النص من أي مضمون له، حين نسبوا أربعة قضاة لمنصب رئيس المجلس، وما يقارب ثمانية قضاة لمنصب نائب رئيس المحكمة العليا، رغم النقاش بمدى قانونية الإجراء، وتركوا للسلطة التنفيذية الحق في اختيار من يشاؤون من القضاة، واصبح التنسيب وقانون السلطة القضائية بلا معنى ومكرس لإختيار من تراه السلطة التنفيذية مناسباً، وكأن تنسيب القضاء شاهد محلل في هذه الحالة لا أكثر من ذلك.
- الدراسات المختلفة أشارت الى أن اكثر من 90% من قرارات محكمة العدل العليا كانت لصالح الحكومة، ولا أناقش في هذا الصدد الأحكام كوني لست مختصاُ قانونياً، لكن هذه الدراسات والمؤسسات والقانونيون أوصوا أكثر من مرة بضرورة تشكيل أكثر من هيئة لمحكمة العدل، ومع ذلك بقيت المحكمة على عهد ثلاثة ممن مروا على منصب رئيس مجلس القضاء تنعقد بهيئة واحدة، رغم أن عدد قضاة المحكمة العليا يسمح بذلك.
- انتقاد تدخل قضاة في القرارات القضائية واحياناً تدخلات خارجية هي مسألة أقرت بها تقارير سابقة صدرت عن مجلس القضاء نفسه منذ عدة سنوات، ويتم احياناً كثيرة تداول ذلك في اوساط عدة، رسمية أو غير رسمية، ومع ذلك لم يعلن لغاية هذه اللحظة عن سياسات اتخذها مجلس القضاء للحد من هذا التدخل ان كان موجوداً، أو تغيير انطباع الجمهور إن كان ذلك غير موجود.
- شبهة تناقض المصالح بين القضاة وأبنائهم المحامين، قد تكون فعلاً شبهة، وانا أميل الى أنها شبهة يخلقها الجمهور حين يعتقدون أن هذا من شأنه أن يؤثر على القرار، وبالتالي يختارون محاميهم من أبناء السادة القضاة، لكن ذلك يمثل انطباع متزايد بين الجمهور، وهذا الإنطباع لا بد من تبديده، وقد لا يتحق هذا الإ من خلال لجنة يشارك فيها القضاة انفسهم ونقابة المحامين كونها صاحبة مصلحة، واللجنة ستخلص بالنتائج والتوصيات التي من شأنها أن تضع حد لأي انطباعات خاطئة تمس بهيبة القضاء.
- اقدام أي قاضي على وضع استقالته بيد السلطة التفيذية سواء كان ذلك قبل التعين أو بعده، وبأي ملابسات كانت سواء أكانت ضغطاً أو حتى تلويحاً، عمل يتحمل مسؤوليته القضاة انفسهم، فالاستقالة لا تقدم مرة واحدة في مناصب مثل منصب القاضي، وهي حال قرر طلاق وظيفته الى الأبد، وبالتالي يتحمل القضاء نفسه اقرار مثل هذه السنة ان ما زالت قائمة، وتقديم الإستقالة له اجراءاته، واخلال القضاة بإجراءات الاستقالة فيه اخلال بقانون السلطة القضائية.
- تفعيل دورة دائرة التفتيش القضائي، ومنحها كامل الصلاحيات اللازمة في التفيش على القضاة وعلى النيابة، فما دام يجمع القضاة والنيابة انهم سلطة واحدة وليسوا سلطتين، فمن الأحرى أن تمارس دائرة تفتيش واحدة رقابتها على القضاة والنيابة، والا يكون استخدامنا لمفهوم السلطات والفصل بينها مفهوم موسمي، ولا بد من اخضاع قضاة المحكمة العليا أيضاً للتفتيش القضائي، ولا بد من تشكيلها بأقصى درجات النزاهة.
- الخلافات التي عصفت بقضاة المحكمة العليا منذ اكثر من عام ولغاية الآن، واخراج هذه الخلافات الى العلن بدل من حلها في داخل اطار القضاء يتحمل القضاة انفسهم مسؤولية ذلك، وقد يعود سببها الى محاولات تطويع قانون السلطة القضائية وفي أحيان اخرى تجازوزه، مما يشكل مساً بهيبة القضاء وقوته، وهذه الخلافات المدخل والسبب الرئيسي لما يعانيه القضاء.
- عدالة الاحكام التي تصدرها المحاكم هي مصدر هيبة القاضي والقضاء، وهذا الامر يشمل كل المحاكم وفي مقدمتها محكمتي العدل والنقض، اعلم ان هناك راضي وهناك غاضب من كل حكم، لكن القرار العادل لا طاقة لأحد على نقاشه، وهو مدخل الثقة بالقضاء.
ما ذكرته سابقاً يأتي في باب المثال وليس الحصر، كي أشير الى أن القضاة أنفسهم قد فتحوا الباب واسعاً أمام تدخل السلطة التنفيذية، وتغولها في القضاء، ولو لم يفتحوا هذا الباب لما كان بالإمكان تدخل السلطة التفيذية، وعليه فإن المطالبة فقط بعدم المس بقانون السلطة القضائية دون ربط ذلك بخطوات فعلية على الأرض من شانها اصلاح القضاء، تبقى خطوة قاصرة وموسمية، وتاتي في اطار الدفاع عن مصالح المسؤولين أكثر من كونها حماية لإصلاح القضاء.
حماية قانون السلطة القضائية من أي تغول للسطة التنفيذية يجب ان يكون مقرون بخطوات تضمن استقلال القضاة في احكامهم ايضاً، وهذا كان لا بد ان يتم تجسيده بإعلان فوري عن برنامج اصلاحي للقضاء، ومن الموجب أن يقترن موقف مجلس القضاء الرافض بقوة لتعديل قانون السلطة القضائي بمثل هذه البرنامج ، فقانون السلطة القضائية جاء لحماية استقلال القضاء، ولم يأتي مبدأ استقلال القضاء لحماية قانون السلطة القضائية، وليلتقط القضاة أنفسهم هذه الفرصة التاريخية التي هدرت مرات عديدة وقد لا تتكرر.
في النهاية قبل أن تقدم أية جهة وهنا أخص الحكومة في العمل على تعديل قانون السلطة القضائية، لا بد من فتح حوار وطني ومجتمعي عبر لجنة مستقلة يشارك فيها ممثلي السلطات الثلاث وخبراء في القانون والقضاء اضافة الى شخصيات مجتمعية معنية بإستقلال القضاء في مقدمتهم نقابة المحامين، وتكون توصياتها ملزمة مهما صادمة وشديدة، فاصلاح القضاء لا يمكن أن يكون باستفراد واحكام سيطرة على القضاء، ولا يعني تقاسم كعكة وتوسيع صلاحيات، فالقضاء ملك المجتمع واصلاحه وحمايته مصلحة مجتمعية لا تقل عن مصلحة سلطات الدولة في مجتمع ديمقراطي، وفي حال كان هناك أي ضرورة لتعديل قانون السلطة لا يجوز أن يغيب عن بال اللجنة قانون السلطة السلطة القضائية لسنة 2005 الذي أقره المجلس التشريعي الفلسطيني وشكل نقلة في قانون السلطة القضائية، وخضع لنقاش مجتمعي وقانوني موسع.
في النهاية بحكم معرفتي الشخصية بعدد من القضاة، أقر بأن لدينا قضاة كثر لا يهتز لهم جفن او رمش وهم يصدرون احاكمهم، لا يعرفون سوى الحق والعدل طريقاً، يدافعون بإخلاص عن القضاء، بل بعضهم هدد بالإستقالة ان مس استقلال القضاء، نقول لهم نحن لا نريد استقالاتكم، بل نريدكم حماةً للعدالة، فبأمثالكم يصبو ميزان العدل.