د. خالد معالي
الواقعية السياسية؛ تعني التفكر والتدبر، والإعداد والتخطيط الجيد قبل اتخاذ أي قرار، أو القيام بفعل محسوم النتائج؛ وهو ما نرى عكسه للأسف الشديد على الساحة الفلسطينية؛ ففي هذه الأيام تبلغ القلوب الحناجر؛ وتصل القضية الفلسطينية إلى ذروتها في الإهمال والنسيان من قبل العرب والمسلمين، ليتركوا الشعب الفلسطيني لوحده يصارع نيابة عنهم؛ أعتى قوة شيطانية عرفها التاريخ.
اللوم لا يقع كله على العرب والمسلمين؛ بل إن جزء مهما منه يقع على الفلسطينيين أنفسهم؛ بفعل ضغوط - لا نقلل من حجم قوتها؛ لكن لا يصح التجاوب معها، أو لقرارات غير موزونة؛ حيث يستنزفون بعضهم بعضا في قلب لموازين الواقعية السياسية؛ والتي هي – فلسطينيا - أيضا لم يعرف التاريخ لها مثيلا أو تعريفا؛ وكل طرف يحمل الطرف الآخر المسئولية، مع أن هناك أبجديات في الواقعية السياسية لا يجوز القفز عنها.
غزة؛ تعتبر جزء من فلسطين التاريخية ومن السلطة الفلسطينية؛ ومن يمثلها رسميا وخارجيا رئاسة السلطة الفلسطينية؛ فلا دولة بغزة، ولا دولة بدون غزة؛ وكون الدولة الفلسطينية هي غير موجودة حتى الآن بفعل قوة أكبر منها وظالمة؛ وهي هنا الاحتلال؛ وكون غزة وان كان الاحتلال قد انسحب منها - مجبرا ومكرها - وهدم 21 مستوطنة بيديه؛ فما زالت واقعة تحت حصار واحتلال بشكل عام، ولو بشكل غير مباشر، وأقل من الضفة المحتلة التي هي بشكل مباشر من اعتقالات ومصادرات وطرد وتهجير، وغيره الكثير.
مشاكل غزة أو القدس والضفة - بنسب متفاوتة- هي أصلا موجودة بوجود الاحتلال؛ ولن تزول إلا بزوال الاحتلال، ولن تقام دولة فلسطينية إلا بزوال الاحتلال، ومن يظن غير ذلك فهو واهم وغير دقيق في توصيفه؛ كمن يستعجل قطاف الثمر، والنزول عن الجبل.
صحيح أنه يختلف تعريف الواقعية السياسة من منطقة لآخري، ومن مرحلة لأخرى؛ إلا أنه لا يختلف اثنان على أن هدفها؛ هو السير بالمجتمعات لتغيير الواقع السيئ الموجود لواقع أفضل، إلا أن التصعيد الأخير بين حركتي فتح وحماس؛ قد يقود لواقع أسوأ؛ مع أن الأصل بحسب الواقعية السياسية؛ هو تجميع الطاقات وتوحيدها في بوتقة مواجهة التناقض الرئيس، وليس هدرها في تناقضات ثانوية فرعية يمكن التغلب عليها بسهولة كبيرة؛ بالحكمة والتروي، وبطول النفس والصبر، وبالحوار البناء الخلاق.
تعالوا بنا نعرف الواقعية السياسية لنرى أيهما أقرب للتوصيف في التعامل معها؛ حركة فتح أم حركة حماس؛ حيث تعرف بأنها:"الممارسة السياسية المستندة إلى القراءة الموضوعية العلمية للواقع، بهدف التعامل مع الواقع بحكمة، وبما هو معلوم وموجود؛ بقصد تحويله وتغيير معطياته بما يوجد واقعا آخر مختلفا بشكل أفضل".
فالقراءة الموضوعية ترينا أن زيادة الضغط على حماس لم يوصل للهدف المرجو من قبل فتح بان تسلم القطاع؛ بل أدى بها للتعامل مع خصم الرئيس السابق محمد دحلان؛ فلكل فعل رد فعل؛ ومن هنا لو كنت مكان الرئيس الفلسطيني لطردت أو عاقبت كل من أشار بزيادة الضغط؛ كون الواقعية السياسة تقول أن الهدف المرجو لم يتحقق؛ بل زاد إخفاقا.
تقول الواقعية السياسية؛ بان أي قرار يجب أن يكون عبارة عن عملية توفيق خلاقة ومعقدة بين متناقضات – فتح وحماس- على ضوء ما هو معلوم وملموس، وتوظف المعرفة في كشف أسرار الواقع واتجاهاته؛ ومن هنا فان عملية التوفيق لم تحصل، وما جرى هو زيادة الهوة والفجوة ما بين رام الله وغزة.
من حق حركتي فتح وحماس أن تدافعا عن قراراتهما السياسية الأخيرة؛ وتبقى الأعمال بخواتيمها، ومن المبكر الحكم على من تقدم بالنقاط؛ لكن يبقى بالمجمل العام أن "أوسلو" لم ينجح بإقامة دولة فلسطينية على أل 67، التي كان مقررا لها بعد التوقيع على "أوسلو" بخمس سنوات، وما حصل هو تحويل الضفة لكانتونات معزولة بفعل الاستيطان، وغزة نجحت بطرد المحتل وهدم 21 مستوطنة؛ فيما الاستيطان مستعر ومتواصل بالضفة الغربية؛ فأيهما أقرب للواقعية السياسية؛ من نجح حتى ولو جزئيا؛ أم من أخفق كليا!؟