حنان مبروك
" أجلس كي أكتب ، ماذا أكتب؟ ما جدوى القول؟... ما أحقر أن أجلس كي أكتب...كل الكلمات اليوم ملح لا يروق أو يزهر"...في هذا اليوم أجلس لأكتب، بكل محبة ووجع، عن عبق فلسطيني، عن قنديل إلاهي أضاء مسرح مهرجان الحمامات الدولي في تونس بعد أن أشع نوره في أرجاء العالم.
هب " السبعة والأربعون"، أحفاد الشجعان، أولاد حيفا والخليل والقدس وغزة وكل شبر في أرض فلسطين الأبية، هبوا يحملون هم أرض وشعب و" كل أشتات المنى المتبعثرة". كصخرة مشدودة في العنق، يحملون هموم بلد منذ السابع والأربعين، يحملون عبء حبه والوفاء له والصراخ بصوته الموجوع في كل مكان يحلون فيه.
السبعة والأربعين هي فرقة موسيقية فلسطينية، أصبحت منذ بدايتها، رمزا لحرية التنقل الفني بين مدن سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والعراق، لتكون صوتهم في كل مكان.
وطيلة ساعة،أمتع السبعة والأربعون جمهور المهرجان من تونسيين وأجانب وجالية فلسطينية وأردنية، بكل أغنياتهم كمقدمة الشام ستيب و دبيكة وغيرها من التراث الشامي ليهتز مسرح الحمامات الدولي على نغمات الدبكة.
هذه الفرقة الشابة، المتكونة من أربعة أعضاء، يلعبون دور الفنان والموسيقي، تغنوا بالقدس مدينة السلام، تغنوا بالبلد" الذي يرتاح فيه التناقض والعجائب"، بالمدينة التي " تفوح أنبياء".
وكما صلت فيروز بصوتها الشجي العميق للقدس، صلى السبعة والأربعون بموسيقاهم الصاخبة ومزيج كلماتهم لأجل بهية المساكن وزهرة المدائن ومدينة الصلاة، فالقدس قصيدة العرب التي لا تنتهي وهي الأغنية التي لا تموت، وان ارتبطت القدس بالأديان، فحتى الفن جدير بأن يوصل صوتها بعيدا عن ضوضاء السياسة ونفاق السياسيين.
أعضاء هذه الفرقة قد قرروا وضع نمط إيقاعي جديد عرفوه ب “الشام ستيب” كمزيج نتج بعد تجارب عديدة يسمح بالتنقل بين الإيقاعات المنتشرة في موسيقى بلاد الشام والعراق التي نسمعها كل يوم، فهو مزيج لجيل اختلط بألم العراق والشام وفلسطين فعبر عن ألمه بأغنيات تنقلت في المنطقة عبر الفيسبوك واليوتيوب مخترقة للحدود الفاصلة بين الشعوب.
المزج بين إيقاعات غربية وشرقية له أثره السحري في تحريك المستمعين ورقصهم على أنغام الدبكة التي يعتبرها السبعة والأربعون ضرورة ثقافية فهو يعيد محبي الموسيقى إلى الإتجاه الرئيس لبوصلة الالتزام الفني " فلسطين"، ويسعى لمحاكاة العرب الذين فقدوا هويتهم في الغربة ولكنهم يدركون أن لهم ثقافة وهم بحاجة إليها.
في هذه السهرة الشبابية ضمن الدورة 53 لمهرجان الحمامات، أثبت السبعة والأربعون جدارتهم بحمل راية فلسطين، ورغم بعض الأخطاء التقنية كارتفاع صوت الإيقاع مقارنة بصوت المغنيين وعدم إلتزام الفرقة بزي يوحي بانتمائهم لذلك البلد العريق، فإنهم كانوا أصحاب حضور قوي على الركح ويدركون جيدا أهمية تفاعل الجمهور معهم، ومن منبر الحمامات صرخ صوتهم للمرة الأولى أن الإلتزام بقضية فلسطين ينبع أولا من الفن، غذاء الروح، وأن فلسطين ستضل حاضرة في قلب تونس، ومن مسرح الحمامات، الذي تشابكت فيه الأيادي للدبكة وعلت فيه موسيقى أولاد فلسطين تجدد قول درويش يوما ما أن على تلك " الأرض سيدة الأرض أم البدايات أم النهايات كانت تسمى فلسطين صارت تسمى فلسطين" وأنه " على هذه الأرض ....تونس....ما يستحق الحياة.