إسماعيل عرفة*
يمثل التفكير في الانتحار، أو الإعلان عنه، أو الشروع فيه، مستويات معقدة تحمل مضامين عميقة في نفسية حامليها، فالميول الانتحارية لا تظهر بشكل فجائي وإنما هي اجتماع لعدة عوامل، منها الأمراض النفسية، ومنها الشعور الحادّ باليأس والعجز، ومنها فقدان المعنى والأمل والشعور المطلق بالفراغ واللاشيء. فهل يمكن أن يكون الدين وقاية وعلاجا ضد الانتحار؟
وتقول أستاذة علم النفس بجامعة جنيف أولفا ماندهوج إن الدين "يؤثر في سلوكيات ومعتقدات الناس وخبراتهم مع الآلام والأمراض، بالإضافة إلى أنه يعطي للناس المعنى والقدرة على التعامل مع المشكلات النفسية".
وتشير أولفا إلى أهمية الدين في العملية العلاجية لذوي الأفكار الانتحارية قائلة "في الحالات التي تُقدم على الانتحار ينبغي على الدين أن يكون جزءا من العلاج، لأن الدين يتناول مسائل أخلاقية ورؤى لما بعد الموت، كما أنه يوفر للإنسان المعنى والأمل والغاية في الحياة، في مقابل الشعور بالفراغ والضياع وفقدان المعنى الذي يعاني منه أغلب المقدمين على الانتحار".
ويؤكد عالم الاجتماع المرموق الفرنسي إميل دوركايم هذا الدور المهم للدين في توفير المعنى والغاية والقدرة على تحمّل الآلام والمصاعب، ويتحدث -على سبيل المثال- عن سبب ندرة حالات الانتحار في المجتمعات الإسلامية قديما قائلا إن "الإنسان في التصوّر الإسلامي كما يقول نبيهم محمد (صلى الله عليه وسلم) لا يموت إلا بإرادة الله، وطبقا للكتاب [الأجَل] الذي يُحدد نهايته، ويقول (القرآن) {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} والواقع أنه ما من شيء أشد تعارضا مع الروح العامة للحضارة المحمدّية من الانتحار".
ثمّ يشرح دوركايم سبب هذا التعارض قائلا "لأن الفضيلة التي تسمو على جميع الفضائل الأخرى [في التصوّر الإسلامي] هي الخضوع المطلق للإرادة الإلهية، والاستسلام الطيّع الذي يجعل الإنسان يصبر على كل ما أصابه. وهكذا فإن الانتحار بوصفه عصيانا وتمردّا لم يكن من الممكن إلا أن يكون إخلالا فادحا بالواجب الأساسي للإنسان في الحياة".
على صعيد آخر، يقول أستاذ الطب بجامعة شيكاغو "ألكس ليكرمان" إنه في بعض الأحيان عندما يلوّح المرء بالانتحار فهو في الحقيقة لا يرغب في قتل نفسه بالفعل وإنما يفعل ذلك كصرخة استغاثة أو نداء لطلب المساعدة.
ووفقا لليكرمان، لا يمتلك هذا الصنف من الناس رغبة ذاتية في الانتحار قدر ما يريدون إبلاغ معارفهم أن هناك شيئا ما خطأ بشدّة، الأمر الذي يتطلب منا التنبه وعلاج الخطأ الذي يريد هؤلاء الإشارة إليه لا النظر إلى الفاعل على أنه يريد الانتحار بالفعل.
وتُوصي جمعية علم النفس الأميركية أفراد العائلات والمقرّبين من ذوي الميول الانتحارية بأن يتعلّموا ماهية الأفكار الانتحارية، وتشير إلى ضرورة نشر الوعي بأن الاضطرابات النفسية هي أمراض حقيقية تحتاج إلى برنامج وخطط علاجية ومتابعة مع أطباء نفسيين، وتنقد في الوقت ذاته إهمال الأسر والأصدقاء للاضطرابات النفسية بدعوى أنها عوارض مؤقتة.
كذلك تشير الجمعية إلى خطأ المفهوم الشائع بأن مَن يُعلن رغبته في الانتحار مجرد شخص يريد لفت الانتباه فحسب، وتقول إنه من المهم توعية أفراد العائلة والأصدقاء كيفية الاستجابة للأفكار الانتحارية بشكل إيجابي وصحي ينعكس بشكل سليم على نفسية المقبل على الانتحار، حتى لا تنتهي أفكاره بالمأساة وتضيع حياته.
نقلا عن الجزيرة نت