الرئيسية / ثقافة وأدب
اللغة العربية مغيبة وليست غائبة
تاريخ النشر: الأثنين 18/12/2017 18:02
اللغة العربية مغيبة وليست غائبة
اللغة العربية مغيبة وليست غائبة

كتبت ساجدة بني شمسة

من المنطق أن نقول بأنها مغيبة وليست غائبة، فهي لم تغب قط، حاضرة في كل زمان ومكان، لكنا نحن من تقع علينا المسؤولية، نحن اللذين لم نعطها حقها، ولم نحترم وجودها، هي راسخة منذ آلاف السنين، فجمالها لا يضاهيه جمال أي لغة أخرى، بل هي سيدة لغات العالم، فهي أقدمهن، لكننا وبكل أسف لم نجد التعامل معها في وسائلنا الإعلامية، هي لغة الأم، لغتنا العربية العريقة.
واقع اللغة العربية في خطابنا اليومي في الصحف، برامج الإذاعات، وشاشات التلفزة مؤسف حقا، فهو اليوم أشبه بامرأة حسناء تشكو علة أو مرض، لكننا من أدخلنا لجوفها العلة والمرض،في وسائل الإعلام الفلسطينية المرئية والمسموعة على وجه الخصوص، تبدو اللغة العربية شبه معدومة إن جاز التعبير، فلا نجدها إلا في نشرات الأخبار، ولا يتم إبرازها للجمهور إلا في أوقات ضيقة، وتخصص لها مساحات لا تكاد تذكر.
وان كانت اللغة العربية الفصيحة تستخدم في هذه المساحات الضيقة، قد نحصي أخطاء تعد بالعشرات كل يوم من نصب الفاعل وجر المفعول ورفع المضاف والمضاف إليه ، فهي تتعرض للتشويه والتحريف بسبب جهلنا بقواعدها، حيث أن الخل بقواعدها يهوي بالذوق اللغوي إلى الحضيض وقد نشعر في بعض الأحيان بان المذيعين على عداوة بغيضة مع اللغة العربية.
أضحت اللهجة العامية مسيطرة على الكثير من البرامج المسموعة والمرئية، ناهيك عن دمج اللغة الانجليزية باللغة العربية أو ما يسمى بتعريب بعض الكلمات الانجليزية، فقد طغت اللهجة العامية على الكثير من أعمالنا الإعلامية، فأصبحت اللغة العربية غريبة عن أبنائها، ولعل أنجع مثال على ذلك برنامج ولعت الذي كان يعرض على إذاعة راية أف أم كل يوم خميس الساعة الرابعة عصرا، ويقدمه الممثل الفلسطيني عماد فراجين، وهو برنامج اجتماعي ساخر يتناول قضايا اجتماعية ومجتمعية بطريقة ساخرة جدا وبكلمات عامية هزلية تنتقد الواقع الفلسطيني وبعض المواقف العربية.


هذا البرنامج استهزأ باللغة العربية وليس بالواقع العربي، فكلماته وعباراته لا علاقة لها باللغة العربية، فهو يستخدم كلمات دون مستوى اللهجة العامية المتعارف عليها حتى، ولا يرتقي أن يبث على إذاعة فلسطينية كإذاعة راية أف أم التي يسمعها الكثيرون، ففي الحلقة الرابعة من البرنامج عند مقارنته بين الأجانب والعرب عندما يشاهدون شخصا ما يتسلق الشجرة، فإن ردة الفعل عند الأجانب يعلق عماد فراجين بقوله"الأجانب لما يشوفوا قرد عالشجرة (Wow) (So Cute) عنجد (Beautiful) أما العرب:
_ شو بسوي أبوك فوق؟
_ بستنى فستك ولا، يلعن أبو يلي نفضك".
فمثل هذه العبارات تسيء للهجة العامية وليس فقط للغة العربية فما الغرض من هذه الشتائم التي يتلفظ بها؟
لو جئنا ونظرنا أولا إلى اسم البرنامج "ولعت" فنرى بأن الاسم تشويق للمستمعين وشد انتباههم ليس أكثر، أما عن مقدم البرنامج الممثل الفلسطيني عماد فراجين فهو مشهور سيجذب مستمعين أكثر للإذاعة ومتابعة اكبر للبرنامج، فكثيرا ما نختار الشخصية المقدمة للبرنامج مشهورة ومعروفة لجذب انتباه الكثيرين، فعماد فراجين ليس مختصا في شؤون الإعلام وتقديم البرامج؛ فهذه احد الأسباب التي أدت الى تراجع اللغة العربية في وسائلنا الإعلامية وهي جلب غير المتخصصين في مجال الاعلام.
أما عن محتوى البرنامج، فأرى انه برنامج لم يحترم اللغة العربية أبدا، ويعلق على أتفه الأمور بسخرية بالغة، فما الضرر لو استبدل ببرنامج ساخر ينتقد المواقف والأمور انتقادا بناء، وبلغة عربية سليمة خالية من الأخطاء، فأنا لا أريد من المذيعين التحدث باللغة العربية الكلاسيكية (لغة الصر الجاهلي)، اللغة العربية ذات المصطلحات المعقدة، بل أريد أن تكون لغة عربية سليمة نراعي فيها القواعد والأسس، قريبة من لغة الجمهور بسيطة ومفهومة، فلغة الإعلام هي اللغة الثالثة فهي ترتفع عن العامية وتدنو من الفصحى. كثيرون اللذين يسألون عن أسباب دمج قسم اللغة العربية والإعلام في الجامعة العربية الأمريكية؛ وتعود المبررات لان الإعلام مرتبطا ارتباطا وثيقا باللغة العربية، وأن رجل الإعلام بحاجة إلى أن يكون لديه الكم الهائل من المعاني والثقافة اللغوية، وكما قال الكاتب "حين تموت لغتنا لا يصلي احد عليها الجنازة إذ أن الصلاة لا تجوز إلا بالغة العربية". إن وسائل الإعلام الفلسطيني في تراجع مستمر في استخدام اللغة العربية، فأضحت اللغة العربية لغة ميتة لا روح فيها، البعض ساق المبررات إلى كثرة المعلومات، وضغط العمل إلى جانب السرعة في تناقل الأخبار وقلة الخبرة في مجال النحو، أنا لا أجدها مبررات أبدا، فلماذا نتعامل مع لغتنا باستهتار ونقدم عليها اللغة الانجليزية؛ هل لإظهار أننا جيل مثقف؟ أم نستخدمها للتفاخر والتباهي فقط؟ علينا أن نرتقي بلغتنا أكثر، ولا نستبدلها بلهجات ركيكة ولغات أجنبية، نحافظ عليها ونصونها كما صانها الله عز وجل، فجعلها لغة خالدة في قرآنه العزيز.
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017