منذ نهاية 2010، عاشت تونس على وقع متغيّر سياسي أبعد من رحيل رئيس ومجيء آخرين بدله، فمفهوم السياسة نفسه قد تغيّر، وكذلك فضاءاتها وأشكالها، وبالتالي فقد انعكس هذا التغيّر على جميع العناصر المحيطة بها، ومن بينها فكرة: الشأن العام، والتي كانت مغيّبة قبل "الثورة" لتصبح مفردة ذات إشعاع خاص في تونس.
الحضور الجديد يطرح إشكاليات كثيرة ليست نظرية فحسب، بل جمالية وعملية، وضمن هذا الإطار نشأ مشروع حول فكرة الشأن العام، بدأ في إطار أكاديمي، ثم تحوّل إلى عمل مسرحي، وأخيراً ها هو يصدر مؤخراً، عن "دار الجنوب"، في كتاب بعنوان "الشأن العام هو اللي يلمّنا" (الشأن العام هو الذي يجمعنا) في تجربة طريفة بترجمة نص فكري سياسي من الفرنسية إلى العامية التونسية. ترجمة أنجزها الممثل السينمائي والمسرحي التونسي مجد مستورة.
يمكن القول أن بداية التكوين الطويل للعمل قد بدأت في 2011، حين أصدر المفكر السياسي الفرنسي فيليب دوجاردان كتيّباً بعنوان "الشأن العام أو اختراع السياسة"، والذي جرى الاشتغال عليه في إطار أكاديمي بين جامعتي ليون الفرنسية ومنوبة في تونس، سنة 2015، ومن ثم اقترحت المؤرخة التونسية قمر بن دانة تقديمه في قراءات، لتبدأ فكرة ترجمته، بالعربية الفصحى أوّلاً، لكن يبدو أن النتيجة لم تكن مرضية، فجرى نقله إلى العامية التونسية.
يقول مترجم النص، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن هذا العمل "ليس مجرّد عملية ترجمة ونشر في كتاب، فهو عمل جماعي سبق مساهمتي فيه، وحين جرى اقتراحه عليّ بقي هذا البعد الجماعي حاضراً حيث كنت أقدّم ترجمة لجزء من النص ويتم مراجعتها وتعديلها، أحياناً أقنعهم وفي أخرى يقنعونني، كما جرى تطوير الترجمة لاحقاً وقت تقديم عروض في الجامعة وفي الشارع، إنه ثمرة تعاون طويل".
يضيف مستورة "ما أعجبني هو صيغة النص، والذي يتوجّه فيه مفكر في العلوم السياسية بالحديث حول اختصاصه لحفيدتيه، واضعاً عصارة مشوراه الفكري في حديث مبسّط حيث يسرد التاريخ السياسي للبشرية من أوائل التجمعات السكانية وصولاً إلى التنظيمات السياسية الحديثة، مبتعداً عن التوثيق بالتواريخ. قوة النص هو بساطته التي تجعله قريباً من روح قصص الأطفال، وفي نفس الوقت تجريدُه الذي يضعه بالقرب من الفلسفة".
يلخّص مستورة فكرة الكتاب بالقول "ما يسمى سياسة هو الشأن العام، أي شأن الجميع، وينبغي على الشأن العام أن يعود شأن الجميع، لكن ذلك يمر عبد افتكاكه من جديد بعد أن احتكرته فئات دون أخرى".
حول خيار العامية لترجمة النص، يقول "أحياناً تكون الفصحى أقدر على نقل معاني النص الأصلي، وأحيانا تكون العامية أقدر. بخصوص هذا النص، أعتقد أن السياق التونسي الذي تنزّل فيه جعله يكون أبلغ من خلال العامية التونسية". يشير مستورة إلى أن "اعتماد العامية التونسية لا يعيق فهمه على قارئ عربي"، معتبراً أن "العوائق بين اللهجات العربية وهمية".
المصدر: العربي الجديد