يواصل الباحث الليبي مراد الهوني توثيق التاريخ الاجتماعي في بلاده خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ورصده لملامح الحياة الثقافية والفنية في المدن الليبية الرئيسية؛ طرابلس وبنغازي بدرجة أساسية، من خلال توثيقها في المقاهي والمسارح والصحافة وأدبيات الرحالة والمستشرقين الأوروبيين والصور الفوتوغرافية.
تحت عنوان "من ذاكرة المسرح في ليبيا: مسرح الميرماري"، يقدّم الهوني محاضرته في "دار حسن الفقيه" في طرابلس عند الرابعة والنصف من مساء غدٍ الثلاثاء بتنظيم من "الجمعية الليبية" للآداب والفنون و"الجمعية الليبية الإيطالية للثقافة والفنون".
يتناول المحاضر الظروف والسياقات الاجتماعية التي أحاطت بإنشاء المسرح الملكي في عهد الاستعمار الإيطالي، حيث افتتح عام 1925، وكان أكبر مسارح العاصمة الليبية حينها، حيث احتضن العديد من العروض الموسيقية والأوبرالية، وقد استوحى تصميمه من المعمار الروماني القديم على غرار "دار الأوبرا" في القاهرة.
في وسط المدينة، مقابل كورنيش طرابلس، أو شارع الفتح، حيث يطّل على القلعة القديمة (السراي الحمراي)، تمّ تشييد "ميرامار تياترو"، وفق الهوني، الذي يشير إلى إلحاق أضرار كبيرة فيه بسبب غارات الحلفاء على المدينة أثناء الحرب العالمية الثانية، ولم تجر صيانته حتى الاستقلال ليهدم في أواخر الستينيات من القرن الماضي.
تقف المحاضرة عند الجدل حول العمران في عهد الاستعمار والذي لم يتوقّف حتى يومنا هذا، ففي الوقت الذي لا تزال هناك آراء تجد فيه تغييراً لهوية المدن ذات الطابع الإسلامي (العثماني خاصة)، فإن وجهات نظر أخرى ترى فيه دخول ليبيا إلى الحداثة عبر تخطيط حديث للمدن شمل الاهتمام بجميع نواحي الحياة، ومنها الثقافية والترفيهية.
وقوف الليبي كمتفرّج على هذه التحولات، مقولة تختبر الكثير من النقاشات حولها، فبينما تشير دراسات إلى تصميم هذه المباني من قبل معماريين إيطاليين، وأن "ميرامار" مثلاً استضاف حينها عروضاً لفرق إيطالية وأوروبية، وأن الثقافة المحلية كانت مغيّبة، مقابل من يعتقد بوجود نخبة ليبية كانت مؤمنة بالتحديث وهي من دفعت إلى تشييد هذه العمائر وكانت متحمّسة لها، مثل السياسي والكاتب أحمد فؤاد شبيب (1923 – 2007)، الذي درس في فرنسا وبلجيكا في العهد الملكي وعاد ليتسلّم وزارة التعليم في الستينيات.
المصدر: العربي الجديد