الرباط – «القدس العربي»: استطاع الفيلم الفلسطيني «اصطياد أشباح»، لمخرجه رائد أنضوني، أن يلامس بقوة مشاعر الحضور في قاعة السينما في مهرجان تطوان لسينما البحرالأبيض المتوسط. الفيلم الذي يشارك في مسابقة المهرجان لهذه السنة، سبق أن حظي بجائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان برلين السينمائي السنة الماضية، وهو يحاكي ذكريات مجموعة من الأسرى من خلال إعادة بناء الزنازين وغرف التحقيق لتمثيل ما عاشوه داخلها. في هذا الحوار يحدثنا محمد عطا خطاب، أحد المعتقلين السابقين الذي يعيش في رام الله، والذي عاش تجارب اعتقال عديدة، عن تجربته في «اصطياد الأشباح» الذي يقول إنه فيلم «يندرج ضمن «الكوميديا السوداء»، ويحول المأساة لموضوع للضحك».
■ «اصطياد أشباح» اختلف حوله النقاش ما إن كان كان فيلما سينمائيا أو شريطا وثائقيا؟
□ هو فيلم سينمائي وثائقي يوثق تجربة سجن من خلال مجموعة من الشباب عاشوا فيه، ولكن يوثقها بشكل مختلف. لأنه لم يكن هناك نص مكتوب يقوم الأشخاص بترديده. كانت هناك كاميرا والناس يقفون أمامها يحكون عن تجربتهم، أظن أنها رؤية جديدة في هذا الفيلم بالذات.
■ ألم تكن هناك صعوبة في إنجاز فيلم بدون سيناريو؟
□ لا لم تكن هناك صعوبة، لأن الفكرة كانت إعادة بناء مركز التحقيق من الذاكرة، الناس يحكون ومهندسون يقومون بالرسم من خلال الحكي والشباب يعيدون بناء الزنازين وغرف التحقيق، يعيدون من ذاكرتهم بناء السجن من جديد.
■ هل المقصود «اصطياد أشباح» أشباح الذاكرة؟
□ طبعا هي تلك الأشباح التي تسكن داخل صاحب تجربة الإعتقال.
■ هي تجربة فريدة إنتاج فيلم دون سيناريو، بل ودون ممثلين كذلك؟
□ نعم الشخصيات في الفيلم كانت تحكي تجربتها الذاتية، لا علاقة لهم بالتمثيل، كان هناك ممثل واحد من ضمنهم، الذي لعب دور القصة الرئيسيّة وما تبقى هم شباب ليسوا ممثلين، لأول مرة يتعاملون مع السينما وأنا واحد منهم.
■ كيف وجدت تجربة أن تخوض للمرة الأولى دورا سينمائيا؟ هل كنت تشعر أنك تقوم بنوع من البوح أم تتمثل دورا سينمائيا؟
□ أعجبتني التجربة، وأنا لم أمثل بل كنت أحكي عن تجربة عشتها، هي قضاء في التحقيق حوالي 78 يوما مع ستة عشر محقق يحققون معك وليس هناك نوم، يمنحوك سجائر لكن بدون «ولعة»، تبقى مع باقي السجناء في المخفر، لكن لا تعرف من هم لأن هناك أكياسا سوداء على رؤوسهم ووجوههم، لكن نسمع أصواتا، وكان الناس يعرفون بعضهم من الحذاء، ويقول أحدهم مثلا هذا صاحب الحذاء الأبيض، لأنه لا يرى إلا بصيصا من الأسفل بسبب الكيس.
■ الحكايات عن الأسرى الفلسطينيين وقضية الإعتقال في سجون الاحتلال، متداولة كثيرا. ما اللمسة الخاصة أو الفكرة الجديدة التي أتى بها الفيلم؟
□ نعم الأساليب التقليدية تداولت كثيرا في رواية تجارب الإعتقال، خاصية هذا الفيلم أنه يندرج ضمن «الكوميديا السوداء»، التي تخرج من أعماق الفرد، وهي تحويل للمأساة لموضوع للضحك للانتصار عليها، هي كوميديا تدل على أن السجن لم يهزم المسجون بل صار وسيلة لمقاومة السجن والسجان، والمجموعة التي كانت في الفيلم هي مجموعة معتقلين لم يهزمهم السجن، لأن هناك أمرين إذا دخلت السجن إما أن يهزمك وتعدل عن قناعتك وإما أن تزداد قناعة بأفكارك وبأحلامك، وفي بلد محتل أكيد كثير من الناس ازدادت قناعتهم بالمقاومة وازدادوا اصرارا، لأنه عندما تنظر إلى المحتل الذي سرق ارضك وطرد أهلك ويملك التكنولوجيا وانت لا تملك إلا الإرادة، لا يمكن إلا أن تجعل من هذه الإرادة سلاحا أقوى من كل التكنولوجيا فلا يستطيع كسرها.
■ يمكن أن نقول إن الفيلم يندرج ضمن الفن المقاوم؟
□ طبعا، نعم الفن الذي يحرض الناس على المواقف وهذا هو دور الفن في حالات النضال، لأنه نحن نبدع في الفن ليس من أجل الفن وإنما من أجل رسالة في داخله وهذا لا يلغي وجود متعة للعين وللوجدان، هذا فن مقاوم يحمل رسائل ومعاني كثيرة ننقله للأجيال القادمة، فكما سمعنا قصص أهالينا كيف رحلوا من فلسطين، نحن بدورنا نحكي لأولادنا قصص مقاومتنا للمحتل في جميع أشكالها وكل واحد من موقعه. والحكي بسخرية فيه نوع من الانتصار على السجان، وكأنك تقول له إذا كنت تفرح ليومك هذا فنحن سنفرح غدا، لأننا في المقاومة ننظر للمستقبل ويكون عندنا أمل في المستقبل فكل الاحتلالات انهارت وانتصرت الشعوب.
■ في الفيلم كانت هناك أجيال مختلفة تحكي عن تجارب اعتقال مختلفة في الزمان والمكان، هل هناك مغزى من ذلك؟
□ نعم هي أعمار مختلفة، فأنا مثلا مثلت وأنا في الخمسين من عمري إلى جانب شباب في عمر أولادي في العشرينيات. المغزى هو أنه هذه حياة الفلسطينيبن، ما دام هناك احتلال فهناك مقاومة وما دام هناك احتلال ومقاومة فهناك سجن وهذا امر طبيعي، أنا لم اقرأ عن احتلال كان ديمقراطيا يبني للناس منتجعات وفضاءات للاستجمام، الاحتلال يريد تدمير الإنسان كي لا يقاومه وبالتالي إجباره عـلى الخـنوع.
■ كيف ترى تجاوب الجمهور المغربي في المهرجان أثناء عرض الفيلم؟
□ في المغرب والعالم العربي هناك تضامن عال مع القضية الفلسطينية، نشعر به في الدعوة والحفاوة في الاستقبال فنشعر أننا مع اشقائنا ومع الناس الذين يؤيدوننا وهذا مفرح.
■ في نهاية الفيلم تظهر فتاة هي ابنتك؟
□ نعم ابنتي تدرس الإعلام في السنة الرابعة في الجامعة، واعتقلت ستة أشهر كان عمرها تسع عشرة سنة، ظهرت في آخر الفيلم لأنه كل واحد منا أتى بأهله للمكان الذي تم التصوير به.
■ ما العبرة من إعادة رسم هذا المكان من خلال الذاكرة؟
□ من خلال الحكي يتبلور الرسم وهناك مقترح بان يصبح مكانا تُجمع فيه إنتاجات الأسرى الفنية، أن يصبح متحفا، لأن هناك ضمن الأسرى مبدعين من هم من يرسم ومن يقوم بأشياء أخرى يدوية.