لا شكَّ أن الدراما اللبنانية بدأت تحجز لنفسها مكانة، ولو أنه ينقصها الكثير بعد لتصبح "رفيعة"، في سباق الموسم الرمضاني.. والأسباب كثيرة، لعلَّ أبرزها انحسار الأعمال الدرامية السورية وفرض الحصار عليها، فبات صنّاع الدراما فيها يتقصّدون التعاون مع أسماءٍ لبنانية بهدف حجز حضورٍ لهم على الساحة الدرامية. وهذه بحدِّ ذاتها إضافة إلى الدراما في لبنان، خصوصاً أن سوريا لطالما كانت رائدة في الأعمال الدرامية.
الأعمال الرمضانية هذا العام وصلت إلى نحو 11، ثلاثةٌ منها تعاون لبناني – سوري، راوحت بين عرض الجزء الثاني من مسلسل "الهيبة" تحت عنوان "الهيبة – العودة" (تأليف هوزان عكو، سيناريو وحوار باسم توفيق، وإخراج سامر البرقاوي)، والذي يجمِّل هذا العام أيضاً تجارة المخدّرات والسلاح ويكرِّس الذكورية في إطارٍ رومانسي.
ففي الحلقة الأولى، يظهر بطل المسلسل تيم حسن (الذي يلعب دور جبل شيخ الجبل) وهو يتحدث إلى حبيبته عبر الهاتف ويقول لها: "إنتِ ما بقى تفكري، أنا بفكّر عنّك". وفي مشهدٍ آخر، نشاهد صخر (شقيق جبل) وهو يقول لخطيبته "فوتي غَيّري الفستان" لأنه لم يعجبه!
والجزء الثاني أيضاً من مسلسل "الحب الحقيقي" (كتابة كلوديا مرشليان وإخراج سمير حبشي)، الذي برز في الموسم الأول بسبب حبكته الدرامية الضعيفة وخفة الأداء والحوار، مروراً بالتجربة التمثيلية الأولى للمغني يوري مرقدي والمغنية رولا سعد في مسلسل "مجنون فيكي" (كتابة فراس جبران وإخراج رندلى قديح).
والعودة إلى ستينيات القرن الماضي في "موت أميرة" (كتابة طوني شمعون وإخراج عاطف كيوان) وصولاً إلى السطحية في طرح الكوميديا في مسلسلين هما "دورة جونيه جبيل" (تأليف وإخراج علا حيدر)،.
و"جوليا" (تأليف مازن طه وإخراج إيلي ف. حبيب)، الذي يعالج الأمراض النفسية بخفّة لا تُحتمل. ففي أحد مشاهد الحلقة الثالثة، يقترح الكاتب إقفال باب الحمام على مريض كلوستروفوبيا (الفوبيا من الأماكن المغلقة) بحجّة أنه يجب أن يختبر صدمة مماثلة كي يُشفى!.
بالإضافة إلى مسلسل "حبيبي اللدود" (تأليف منى طايع وإخراج سيزار حاج خليل) و"ثواني" (تأليف كلوديا مرشليان وإخراج سمير حبشي).
ولعلَّ أبرز الأعمال الرمضانية المشتركة بين لبنان وسوريا، هو مسلسل "تانغو": الإنتاج لبناني لجمال سنان، الكتابة والسيناريو والحوار للسوري إياد أبو الشامات، والإخراج للسوري رامي حنا. حتى الآن، يبدو المسلسل مترابطاً في معالجته، واستطاع المخرج أن يجعل من عارضة الأزياء اللبنانية دانييلا رحمة اكتشاف الموسم الرمضاني، كما أن الممثل اللبناني باسم مغنية فاجأنا بأدائه التمثيلي الجميل.
نصل إلى مسلسل "طريق" (حوار سلام كسيري وإخراج رشا شربتجي) وهو المسلسل المأخوذ عن قصة للكاتب نجيب محفوظ وسبق أن قدَّمها النجمان محمود ياسين ونجلاء فتحي في فيلم حمل عنوان "الشريدة". والذي يجتمع فيه عابد فهد ونادين نجيم للمرَّة الثانية بعد مسلسل "لو".
حتى الآن، يبدو الحوار واقعياً إلى حدٍّ كبير وأداء معظم الممثلين جيداً.
إلا أن المخرجة السورية رشا شربتجي لم تستطع أن تُخرج الممثلة اللبنانية من عقدة الاستيقاظ من النوم معFull Make Up . ففي الحلقة الأولى، تستفيق ريتا حرب من نومها مع Extension رموش وظلال للعينين مع شعرٍ مصفَّف ومرتَّب.
وفي الحلقة الثانية، بدت في خلفية أحد المشاهد لافتة كُتب عليها "ممنوع تجوّل العمّال الأجانب حتى 6 صباحاً"، رغم أن مخرجة العمل سورية الجنسية.. فهذه اللافتات العنصرية كانت رفعتها بعض البلديات في لبنان، وهي تستهدف اللاجئين السوريين.
اللافتة العنصرية تبدو واضحة في خلفية هذا المشهد من مسلسل "طريق"
ونصبح في نهاية المطاف مع مسلسل "ومشيت" (إخراج شارل شلالا) الذي دخلت فيه الكاتبة والممثلة كارين رزق الله مجدداً هذا السباق بعد "لآخر نفس" العام الماضي و"مش أنا" عام 2016 بمشاركة الممثل بديع أبو شقرا.
شعبياً، تمكَّن هذا الثنائي من حجز مقعدٍ لهما في السباق الرمضاني كلّ عام.. لكن ما زالت المعالجة الدرامية والإخراج يفتقران إلى الواقعية في كثيرٍ من الأحيان والاستخفاف بالمشاهد.
فالمشاهد سيشعر حتماً أن حقيبتَيْ كارين وابنتها فارغتان من الحمولة وهما تقومان بإنزالهما من على حزام الحقائب في مطار بيروت.
كما أنه، أي المشاهد، يعرف جيداً أن سائقي سيارات التاكسي يهرعون لكسب أي مواطنٍ خارجٍ من باب المطار.. فمن غير الواقعي أن تخرج كارين من المطار ولا يقترب منها أحدٌ إلا بعد أن تنادي "تاكسي"، ونلاحظ أن المكان خالٍ من الزحمة. لبنان ليس منظماً لهذه الدرجة.
وفي الحلقة الأولى نفسها، أثار أحد المشاهد ضجّةً كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قام عدد كبير من روّادها بتنزيل المشهد والسخرية منه.
المشهد عبارة عن حوار بين البطلة كارين رزق الله وأحد العاملين لديها، الذي يقول لها "صدرك برّا". فتُفاجأ هي وتنظر إلى صدرها، قبل أن يتابع العامل قوله: "صدرك برّا وبدّو يشوفك". فتُجيبه كارين: "آه سيدريك، الذي وضع كاميرات المراقبة".
ويبقى السؤال: متى سيُدرك صنّاع الدراما اللبنانية أن البساطة والواقعية هما أساس نجاح أيّ عمل؟ وأن القصور والسيارات الفخمة وتبنّي الروايات المكسيكية مثلاً، وإسقاطها على واقعنا اللبناني لا يصنع دراما يمكنها أن تحجز لنفسها مكانة، ترتقي فيها إلى مستوى فنّي مقبول؟ متى سيُدركون أن المشاهد اللبناني ليس غبياً، ويمكنه أن يشعر بهذه الهوّة الكبيرة بين المعالجة الدرامية وواقعه؟