نشر موقع «ساينس أليرت» تقريرًا كتبته «ميشيل ستار»، يتناول دراسة أجريت مؤخرًا حول العلاقة بين تعرض الأطفال للعنف والاعتداء في مرحلة الطفولة، وبين قدرتهم على الإبداع بعد البلوغ، وهل يفسر ذلك تعرض الكثير من الفنانين المبدعين لمِحَنٍ في طفولتهم.
تقول «ميشيل» إن وفق ما كشفته دراسة طويلة المدى مؤخرًا، يوجد رابط بين مدى إبداع الممثلين وفناني الفنون الأدائية، وبين تعرضهم للإساءة والأهمال في مرحلة الطفولة أو حتى ترعرهم وسط عائلات مفككة. أجرى الدراسة مجموعة من علماء النفس في جامعة ولاية كاليفورنيا، بنورثريدج، على عينة تتألف من 234 فنانًا محترفًا، في محاولة للبحث عن سبب شيوع اضطرابات الصحة النفسية بين الفنانين والممثلين.
أخبرت «بولا تومسون» -منسقة رقصات ومتخصصة في علم النفس وأحد مؤلفي الدراسة – مجلة «سايكبوست» أن «فكرة أن الفنانيين والممثلين الذين عانوا من الأمراض، بما في ذلك اضطراب ثنائي القطب، كانوا مشكلة بالنسبة لنا»، وأضافت: «يبدو أن لا أحد على استعداد لتضمين آثار الشدائد في مرحلة الطفولة والصدمات لدى البالغين وأثرها على الإبداع والأمراض النفسية».
حسب ما جاء في التقرير فإن الدراسة أجريت على 83 ممثلًا ومخرجًا ومصممًا، و129 راقصًا وراقصة، و20 موسيقيًّا ومغني أوبرا، قام كل المشاركين بتعبئة استطلاع وتقرير حول مِحَن الطفولة التي مروا بها ومشاعر الخزي، وكذلك الخبرات الإبداعية وقابليتهم للتخيل واضطرابات القلق ومدى انخراطهم في النشاطات المختلفة.
ووجدت الدراسة أنه بالمقارنة بدراسة سابقة حول الشدائد في الطفولة أجريت في عام 1998، على عينة تتألف من 9508 شخصًا بالغًا، فإن الممثلين والفنانين –في الدراسة الحديثة- قالوا إنهم تعرضوا لمستويات أعنف وأشد من الإساءة النفسية والإهمال في الطفولة. تقول الكاتبة إن القائمين على الدراسة تمكنوا من تقسيم المشاركين إلى فئاتٍ ثلاث: من أفادوا بتعرضهم لمستوى عال من المِحَن؛ ومن تعرضوا لمستوى متوسط من الشدائد؛ والذين تكاد تخلو طفولتهم من الشدائد.
تذكر الكاتبة أن حسب ما جاء في الدراسة فإن المجموعة الاولى أظهرت أعلى تباين بين التطرفين المتمثلين في شدة المِحَن والإبداع بعد البلوغ، إذ تبين أن لديهم مستويات قلق عالية للغاية، وكذلك شعور بالخزي الداخلي، ويتضح أنهم عانوا من أحداث مؤلمة تراكمية في الماضي، علاوة على أنهم أيضًا كانوا أكثر عرضة للتخيلات.
ومن ناحية أخرى أظهرت الدراسة أنهم بدوا أكثر ارتباطًا بالعملية الإبداعية، وكانوا أكثر دراية بذلك من غيرهم، وعبروا عن إحساسهم بالانغماس في العملية الإبداعية أكثر من غيرهم، فضلًا عن أنهم أظهروا حالة من الاستلهام والفضول للاستكشاف خلال ذلك، بالإضافة إلى أنهم كانوا أكثر قدرة على التحرك بسهولة بين حالات الانغماس والوعي النقدي، فضلًا عن كونهم أكثر تقبلًا للفن وتجاوبًا معه.
تقول الكاتبة إن الباحثين القائمين على الدراسة ذكروا أن «في النهاية، أظهرت تلك المجموعة تقديرًا أكثر لصفة «التحولية» في العملية الإبداعية، وتحديدًا، كيف مكنت العملية الإبداعية من تفاعل أعمق مع النفس والعالم، وأدركوا أنها كالقوة العظيمة المؤثرة في حياتهم».
وأشارت إلى أن الدراسة تضمنت بعض المحاذير، فبطبيعة الحال، تعد الدراسات التي تقوم على الخبرات الذاتية لعناصر الدراسة عرضة للتحيز الشخصي، فضلًا عن أن اقتصارها على عينة من فناني الفنون الأدائية، فإنه لم يكن من السهل إجراء مقارنات مع مجموعات فرعية أخرى من السكان.
ومع ذلك فإن الباحثين يقولون إن مكتشفات الدراسة قد تشير إلى أن الفنانين البالغين الذين اختبروا في طفولتهم مِحَنًا هم أكثر قدرة على إدراك العملية الإبداعية وتقديرها، وقد تشير أيضًا قدرة المجموعة على الاستمتاع بعملية الإبداع إلى مرونتهم، وأضافت «تومسون» -في حديثها لمجلة «سايبوست»: «انتابنا الحزن بسبب عدد المشاركين في الدراسة الذين عانوا من أشكال متعددة من الشدائد في مرحلة الطفولة، فضلًا عن الاعتداءات عليهم حتى بعد بلوغهم، سواء كانت اعتداءات جنسية أو لا جنسية».
اختتمت الكاتبة تقريرها باقتباس عن «تومسون»: «عانى العديد من المشاركين في عينة الدراسة من الصدمات النفسية، ومع ذلك هم يعتنقون شغفهم بالأداء والإبداع، إنهم يتبنون سبلًا للتعبير عن كل ما هو إنساني».