عرب ٤٨/ العربي الجديد
تحرير: مرح الأنوار
رحلت عن عالمنا أمس الفنّانة القديرة مديحة يُسري، المُلقّبة بسمراء النّيل، عن عمر يناهز 97 عامًا قضت جُلّها في عطائها الباذخ للفنّ والسّينما المصريّة، وذلك بعد معاناةٍ طويلةٍ مع المرض الّذي أفقدها حركتها.
بدأت سمراء النّيل مشوارها الفنّيّ في مشهدٍ صامت أمام الموسيقار محمد عبد الوهّاب في فيلم "ممنوع الحبّ" عام 1942، لتلعب بعدها بعامين دور البطولة في فيلم "أحلام الشّباب" مع الفنّان فريد الأطرش، لتثبت حضورها القويّ بعدها على مدار خمسين عامًا قدّمت فيها ما يزيد على ثمانين فيلمًا، ختمتها عام 1994 بفيلمها "الإرهابيّ الّذي تشاركت فيه البطولة مع عادل إمام، وقد طرحت قضيّة المرأة في عدّة أفلام.
ونأت سمراء النّيل بنفسها عن السّاحة الفنّيّة المصريّة بعدما شعرت بأن الأجواء الفنيّة لم تعد مناسبةً لها ولا تليق بعمرها ولا بالتاريخ الذي قدّمته، الّذي تنوّعت أدوارها فيه بين السينما والتّلفزيون، وكذلك تنوّعت وظائفها لتدخل حلبة الإنتاج وتنتج عدّة أفلام، كما كتابة السّيناريو أيضًا.
وعلى الرغم من ابتعادها عن الفن كممثلة، إلا أنها لم تبتعد كصديقة لكثيرين ممن كانوا ينادونها بـ"ماما"، مثل الفنانة يسرا التي ظلت مديحة على علاقة بها حتى آخر يوم في حياتها، وكذلك ظلّت مرتبطة بصداقة مع كل من الفنانين نجلاء فتحي ولبلبة وميرفت أمين وعزت العلايلي ونبيلة عبيد وسمير صبري.
وكانت مديحة يُسري قد أكّدت أنها اعتزلت مشاهدة الأفلام السينمائية المصرية لإيمانها أن العمل لا بد أن يحمل رسالةً وهدفًا، فالسّينما توثّق حياتنا صوتًا وصورةً، وأرجعت سبب عدم مشاهدتها أي فيلم مصري حاليًّا إلى احتوائها على ألفاظ خادشة وملابس عارية غير لائقة، دون أن تجد مبرّرًا للإقبال على مثل هذه الخطوة التي تسيء إلى سمعة الفن المصري.
تعلّمت سمراء النّيل، واسمها الحقيقي هنّومة حبيب خليل، أن تكون قوية حتى في أشدّ الظروف، وهو ما اتضح بعد تأميم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لممتلكاتها بعد ثورة يوليو 1952، إذ كانت تمتلك مصنعاً، وفيلا، وشركة للإنتاج أسستها مع طليقها الفنان محمد فوزي، وعدداً من السيارات الخاصة، قبل أن تأتي رياح التأميم وتجرفها بعيداً عنها، ولكن لم تستلم مديحة وبعد أشهر عادت قوية، بعدما قدّمت أعمالًا عدة في الإذاعة الكويتية، لتكون بداية قوة بعد انكسار، فقدمت برامج للمرأة والطفل وحصلت على مبلغ عشرة آلاف دينار، وانتقلت بعد ذلك إلى العديد من الدول العربية، بعدما طلبها كثيرون للعمل في إذاعاتهم.
تزوّجت أربع مرات، أوّلها من الملحن والممثل محمد أمين، ثم المخرج أحمد سالم، ثم المطرب والملحن محمد فوزي، وأخيرا الشيخ إبراهيم سلامة راضي؛ وتعرضت للخيانة منهم جميعًا خلا أحمد سالم. فُجعت بوفاة ابنها "عمرو" وابنتها وهما ابنا الفنّان محمّد فوزي، في حادث سيّارة أودى بحياتيهما.