الرئيسية / ثقافة وأدب
الدعاوى لم توقف مسلسل «الهيبة العودة»… ومروان نجار ينتقد النقّاد والاستخفاف بالأعمال الراقية
تاريخ النشر: السبت 09/06/2018 06:58
الدعاوى لم توقف مسلسل «الهيبة العودة»… ومروان نجار ينتقد النقّاد والاستخفاف بالأعمال الراقية
الدعاوى لم توقف مسلسل «الهيبة العودة»… ومروان نجار ينتقد النقّاد والاستخفاف بالأعمال الراقية

بيروت – «القدس العربي» : لم تفلح حتى الساعة الدعاوى القضائية التي قدّمت من قبل مجموعة من المحامين لايقاف المسلسل الرمضاني الأكثر جماهيرية «الهيبة – العودة» في جزئه الثاني على خلفية الاعتراض، الذي أبداه عدد من أهالي بعلبك الهرمل لجهة تصوير المنطقة كقالب إجراميّ خارج عن القانون، بل استمرّ المسلسل، الذي حظي بحملة ترويجية مجانية وفقاً لتعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، التي دافعت عن «الهيبة -العودة» الأمر الذي انسحب إيجاباً على العمل الدرامي الذي سيعود بجزء ثالث وفقاً لما كشفه المخرج سامر البرقاوي في حديثٍ لقناة «الميادين».
وفي وقت التزمت «شركة «الصباح للاعلام» الصمت حيال القنبلة الدرامية المدّوية التي فجرّها كلام البرقاوي، الذي أكدّ انتهاءه من إنجاز مونتاج الحلقة 30 من مسلسل «الهيبة العودة»، والتي ذيّلها بعبارة «إلى اللقاء في الجزء الثالث، من دون الافصاح عن المزيد من التفاصيل والمعلومات بإنتظار القراءة الأولى ومن ثم تفريغ النص وإقتراح الممثلين المناسبين، ثمة تساؤلات عمّا ستؤول اليه الأحداث في الجزء الثالث، وهل سيستمرّ بتصوير المنطقة بأنها عصيّة عن الأمن، أم سيحظى بمساحة واسعة من الحبّ والغرام؟ أسئلة عديدة بانتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة وموقف الشركة المنتجة.
هذا ودخل منذ أيام على خط الضجة، التي أثيرت بشأن «الهيبة ألعودة» المؤلف والمنتج مروان نجار صاحب الأعمال التلفزيونية الناجحة، وأبرزها «ديالا» و«مريانا» والطاغية « و»سكت الورق» مقدّماً مطالعة شاملة عن العمل الدرامي «الهيبة العودة « نشرها عبر صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك» إذ دافع عن العمل تحت عنوان «أبطال «الهيبة» صدمونا و«العودة» أنْسَنَتْهُم».
فأكدّ أنّ «نَقْدُنا نَقضٌ وانقضاض: والغيم لا يُطفئ الشمس وسنورد أبرز ما ورد في مطالعته: كثيرون قد لا يقرأون هذا المقال نظرًا إلى طوله وشموله، لكنّي وجدتُ نشرَه لزامًا عليّ، خدمةً للحقّ في زمن الباطل، ومن أجل غدٍ قد يسأل عن يومنا هذا علّه يجد عزاءً تحت لججٍ من غضب».
وقال: «بفضل الإنترنت لم أنقطع طوال زيارتي الحاليّة لمدينة لندن عن مشاهدة حلقات «الهيبة – العودة»، ولا عن مطالعة ردود الفعل المحليّة عليها. ولا أزال حتّى كتابة هذه السطور أتنقّل يوميًّا بين حلقة على اليوتيوب، وملاحظات على الفيسبوك، ومسرحيّة في «الوست-إند».
آخر مرّة حصل لي أمر كهذا في شهر رمضان الكريم، كانت قبل سنوات وقبل عصر اليوتيوب، تحديدًا في الموسم الذي شهد عرض مسلسلٍ للمخرج نجدت أنزور يروي فانتازيا بعنوان «المحروس»، وقد تعمّدت النزول في شقّة في شارع «إدجوار رود» ذي الحضور العربيّ الكثيف لأحصل على محطّة كانت آنذاك تبثّ الأعمال الرمضانيّة.
في تلك المرحلة لم يكن متاحًا لي التعبير عن رأيي، والعمل لم يتعرّض لما يستوجب منّي أيّة مبادرة. أمّا هذه المرّة، فقد آلمني الاستخفاف بالأعمال الراقية وسهولة تسخيف القِيَم وتسطيح القِمَم. صار كلّ من يعثر لسانه على لفظة ترنّ مثل «الهيبة» يحسب نفسه سيّد السجع وسلطان اللغة العربيّة فيقلب «الهيبة» خيبة أو عيبة أو ريبة (مع أنّ القافية في الأخيرة منعدمة لأنّ من حقّ حرف الراء هنا الكسر لا الفتح).
وأضاف «ما قرأت نقدًا مفيدًا أو رأيًا يحمل رجاحة عقل أو وضوح رؤية أو علمًا بأصول الرواية. فكان لا بدّ من تصرّف إن لم يُجدِ نفعًا فهو على الأقلّ لا يُشعرني بذنب الصمت المتواطئ مع هذه الرداءة الشائعة والمتغطرسة.»

انتقاد البطل

وعلّق على الانتقاد الذي طال بطل العمل النجم تيم حسن الذي بدا وهو يحمل مدفعاً أخضر اللون، قائلا : «لم يروا إلّا… السلاح الأخضر، وجدتهم في هذا الموسم ينفعلون إذ يهاجمون رائعةً دراميّة مزوّدة بكلّ عناصر النجاح، ولا يملكون في مواجهتها سوى القصف العشوائي بشعارات مستهلَكة وتفاصيلَ لا تُنقِص ولا تَزيد.
نقّاد لا نعرف طويّتهم الأدبيّة، يصرخون بوجه أصحاب العمل: «جرّستونا!»
فنسأل: أين «الجُرسة»؟ والجواب:
«لا أحد يحمل هذا المدفع (أو الصاروخ) كما حمله جبل على كتفه في الحلقة 17 من الهيبة – العودة».
وأضاف باستهجان «هي مسألة مدفع أو صاروخ؟ سبحان الله ما أروع النقد الفنّيّ وما أرقاه! وهل حمل البطل سلاحه ليقصف عدوّه «ناظم» ويدمّره، أم ليرعبه بالمنظر؟
أنا المشاهد (غير المتخصّص في مدفعيّة الميدان) هل أثار المشهد بداخلي مقارنة مع معلوماتي العسكريّة «الدقيقة» أم عزّز عندي رهبة اللحظة الدراميّة؟
قد لا يستهويني منظر ذلك الشيء الأخضر على كتف صاحب سطوة ورهبة مثل جبل، وتلك وجهة نظر قابلة للنقاش، بل قد أرى في الأمر مغالاة لا لزوم لها… لكنّ عدم الاستحسان شيء والرفض والإدانة شأنٌ آخر».
وبدل التحليل تحريمٌ وتعنيف تابع نجار قائلاً: «قبل تلقّفه الوقائع الروائيّة يكون المُشاهد معنيًّا بما تنطوي عليه الأحداث… في الأعماق. إنّه فنّ مشهدي يا أبناء عصرنا الأكارم، وليس صحافة صفراء.
جهازكم الإلكتروني القابع في صدر البيت ليس كوّة مستطيلة الشكل محفورة في جدار بيت الجيران تمنحكم متعة التلصّص والتفكّه والتطفّل والتعنيف.
منظّرونا يعنّفون العمل والعاملين فيه بدل الغوص في العوامل النفسيّة والإنسانيّة والمجتمعيّة التي يجهد فريق العمل لرفع الستر عنها وتطهيرنا من مثيلاتها.
منظّرونا وأتباعهم يستهجنون ما يرون، ويلومون ناقل التصرّفات المستهجَنة، كما لو كان شكسبيرا مثلًا قد دعا الرجال إلى خنق زوجاتهم مثل عطيل، أو دعا الزوجات إلى تحريض أزواجهنّ كما فعلت «اللايدي مكبث»، أو الملوك إلى سفح الدماء بقدر ما فعل ريتشارد الثالث، أو الأمّهات إلى الاستيلاء على عروش الآباء بالغدر والخيانة، كما فعلت الستّ جرترود أم هاملت بالتواطؤ مع سلفها كلوديوس الذي تزوّجته قبل دفن أخيه زوجها الملك؟

امنعوا شكسبير

امنعوا مسرحيّات الفاسق المفسد وليم شكسبير فمقاييس نقدنا تأبى لمجتمعنا العربيّ المثاليّ الطاهر أعمالًا «تبشّر» بهذه الموبقات.
حرِّموا أعمال ألكسندر دوما فأخلاقنا لا يمكن أن تنادي بأعمال ثأر كالتي ارتكبها إدمون دانتس تحت مسمّى الكونت دي مونتي كريستو.
ومسرحيات هنريك إبسن… قاطعوها وإلّا وجدنا زوجاتنا جميعًا يغادرن بيوت الزوجيّة متمرّدات كما فعلت نورا في ختام «بيت الدمية».
وأضاف بركان «العودة» قذف حممًا كوّنت «الهيبة».
إذا كانت النيّة من وراء هذا المقال تناول عمل فنّيّ كبير بالدراسة والتحليل، فلاحظوا كيف يَشغَلُ بعضُنا بعضًا بالمزايدات الأخلاقيّة أو المناطقيّة ويضيع التركيز عن الجانب الأهمّ والأجدى.
لاحظوا كيف كانت في الأمس فرحة المتذمّرين اليوم من «مطابقة» أجواء الرواية لأجواء بيئة معيّنة ينتسبون إليها، عندما اعتقدوا أنّ هذه المطابقة آتية لامتداح بطولات تداعب عنفوانهم ولتكريس فوقيّة تسرّهم وتضعهم فوق سائر الناس.
عندما تحوّلت «الهيبة» من تكريس العشيرة إلى «عودة» تتيح للإنسان الفرد أن يعاني ويفجّر مشاعره الحميمة، صارت «المطابقة» تعدّيًا على الذات القبليّة في نظر الذين كانوا يبتهجون.
اسمحوا لي إذًا بالعودة إلى «العودة» من حيث هي توطئة دراميّة متفجّرة، بل بركانٌ تكوّنت من حممه تضاريسُ العمل الذي اجتذبنا في العام الماضي بعنوان «الهيبة» فقادنا إلى حسن المتابعة.
نعم. هنا يكمن سرّ نجاح «العودة» وتمايزه. بل هنا عبقريّة الفكرة التي ندر – وكاد أن يستحيل – وجودها في موروثنا الدراميّ بكلّ هذا التكامل.
مسلسل «الهيبة» شقّ طريقه إلى نيل اهتمامنا قبل سنة عبر ثلاث قنوات:
في البداية حسِبَ الناس أنّهم يتابعون عملًا مستوحى من واقع مَعيش (ولا يقال معيوش)، إذ تهيّأ لهم أنّ مصدر الوحي للرواية مغامر لبناني بقاعي حقيقيّ يعرفونه باسم نوح زعيتر وهو يتمتّع بمواصفات ومزايا تشبه مواصفات «جبل شيخ الجبل» ومزاياه.
جاء الانطباع الناجم عن حدث الانطلاق في المشاهد المبكرة Inciting Incident يوحي بأنّنا أمام بيئة مستوحاة من بلدة «بريتال» البقاعيّة ذات السمعة الأسطوريّة، فاستعدّ الكثيرون للتعاطي مع مرآة مثيرة وجديرة بالاهتمام المحلّي، تستهويهم ويتماهون بها.
(وفي الحالتين تعزّز الاعتقاد المحلّيّ بما ظهر من استقواء على القوى الأمنيّة الرسميّة).
جاءت مواقف كثيرة تعيد إلى الأذهان عملًا عالميًّا لقي نجاحًا باهرًا هو مسلسل «Narcos» الذي يروي سيرة المهرّب الدمويّ الكولومبي Pablo Escobar فاستعدّ جمهور كبير للاستمتاع بالمقارنة.
عناصر مساندة أضافت إلى مسيرة «الهيبة» أسباب النجاح منها سخاء الإنتاج وسطوع نجم تيم حسن المستحبّ، وتفوّق نادين نسيب نجيم على بنات جيلها من نجمات الدراما، ثمّ خلوّ تاريخنا الدرامي من هذا الطرح الجريء والطموح، وطبعًا حسن التكامل «الشامي» بين العناصر السوريّة واللبنانيّة في هذا العمل ضمن قصّة مشوّقة ورؤية إخراجيّة متمكّنة ومتماسكة.
لكنّ «الهيبة» في محصّلتها النهائيّة لم تتجاوز عرضًا وفيًّا لقوالب صقلتها الحدثان بعدما كان قد هدأ البركان وبردت الحمم واستقرّت الموازين والأوزان.

 القدس العربي

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017