بدأ الأهل بملاحظة تصرفات غريبة لابنهم، كأن يكون له عالمه الخاص، هو لا يختلف بالشكل عن بقية الأولاد ولا توجد علامات مميزة كما في شكل "سِمَة داون" (المنغول) مثلا، في البداية يظنون أن لديه بطء معين ولكن حين يقارنوه مع تطور أطفال آخرين سوف ينتبهون للفرق، "الاوتيزم"، "التوحد"، "الاضطراب"، عدة أسماء للظاهرة المنتشرة لدى كثيرين، وعندما نقول اضطراب هذا يكون في عدة عوامل ومن أهمها الاضطراب الحسي، ونسبة هذه الظاهرة تبلغ 3/1000، ويعرف أن النسبة مرتفعة أكثر وأعلى عند الأهل المثقفين والمتعلمين، وهذا لا يرتبط بتعلمهم أو مدى ثقافتهم بل بنسبة وعيهم وإدراكهم للظواهر الأولية ولمسها مبكرا عند الأولاد ومن ثم علاجها مبكرا، والأبحاث تشير اليوم إلى أنه مع التشخيص المبكر للحالة تكون إمكانية العلاج والمساعدة أكبر لدى التوحديين.
تحدثنا إلى السيدة شعاع زريق أخصائية نفسية علاجية تعمل في حضانة الرازي للتوحد في راهط وطالبة للقب الثالث، الدكتوراة، في المجال فقالت:
"العلامات الأولى للتوحد تبدأ في جيل سنة لغاية سنة ونصف، والتشخيص يكون بين سنتين لغاية ثلاث سنوات.
هنالك درجات للتوحد : الصعب – المتوسط - والخفيف
العلامات التي تستدعي انتباه الأهل والتي يتوجب الوقوف عندها عند الأولاد في جيل من 2-3 سنوات:
العلاقات الاجتماعية المتبادلة:
الولد التوحدي لا يجيب عندما ينادى باسمه، يظن الأهل بداية أن لديه مشكلة سمع ولكن سرعان ما يسقط هذا الاحتمال حين يسمع الولد أشياء أخرى ما عدا مناداته باسمه، وهذه العلامة تظهر عند كل الأولاد التوحديين.
الاتصال البصري لدى التوحدي يشير بأن هنالك مشكلة ما وليس هذا التواصل بسليم، فإذا نظرنا في عينيه نراه يزيح النظر نحو أشياء أخرى ولكن ليس للعينين.
لا يحب التوحدي الضم والعناق، فلو حاول الأهل ضمه فنراهه يدير ظهره، وهذا مؤشر مهم، لأنه من الطبيعي والعادي عندما يريد الأهل ضم الولد يكون ذلك مع الولد وجها لوجه، ويضم هو أيضا، فإذا أراد التوحدي الضم يدير ظهره ليضموه.
التوحدي لا يحس ويشعر بأحاسيس من حوله، مثلا في حال سمع بكاء طفل يبكي من العادي أن يأتي ليساعد أو يوقف البكاء، أما عند التوحدي فلا يتأثر لأنه لا يفهمه، فكل شيء مرتبط بالإحساس الغريزي والطبيعي يكون به خلل ما.
لا توجد سمات خلقية معينة لدى التوحدي في الوجه (يمتازون بحسن منظرهم على الأغلب)
التوحدي يحب دائما أن يلعب لوحده ولا يحب اللعب مع أحد، في البداية يظن الأهل أنه ولد مريح لا يزعج أحدا، ولكن لاحقا يدركون أنها ظاهرة مميزة لابنهم التوحدي أي بعد التشخيص.
مهارات لغوية:
مشكلة الكلام والنطق، كالمكاغاة ونطق بعض الأحرف والكلمات، فنرى التوحدي يصل لغاية سنة ولا ينطق بأية كلمة، أي تأخر لغوي ممكن أن يصل لسنة وشهرين، ومن ثم التأخر بالكلام لغاية جيل 3 سنوات، يتحدث إليه الأهل ولا يجيب.
هناك نوع آخر الذي يبدأ بالكلام ولكنه يتراجع في جيل سنة وثمانية أشهر ويبدأ ينسى الكلمات التي نطقها.
التوحدي حتى لو تكلم يبدأ بنبرات وإيقاعات غريبة، لا يوجد تغيير في نبرة الحديث، يتحدث مثل الآلة الالكترونية بدون تفاعل وإحساس، الغير اعتيادي لديه نبرة الصوت والإيقاعات في الكلام، أحيانا يتحدث وكأنه يلحن الكلام.
لا يستطيع التوحدي المبادرة أو الحديث محادثة كاملة وعادية ، صعب التحدث معه، لا يدرك الأسس والمؤشرات الأساسية للمحادثة، مثلا لو تحدث إليه أحد من الطبيعي أن يسمع ومن ثم يجيب ثم العكس، لكنه يتحدث في وقت حديث الآخرين لأنه لا يفهم قوانين الحديث وغير موجودة لديه، او أن يجيب بكلمة واحدة إجابة لعدة أسئلة تطرح عليه.
التوحدي يكرر كلمات ولا يفهم ويدرك معناها، والكلمات يقولها ليس في نطاقها الصحيح بل يكررها لأنه سمعها، وهذه علامة فارقة للأهل يجب إدراكها، بالنسبة للكلام فأحيانا يلفظ كلمات يظن الأهل أنه غير توحدي، ولكن يجب الانتباه ان الكلمات في غير سياقها.
المهارات السلوكية:
نلاحظ عند التوحدي حركات اليدين والتلويح بها كل الوقت أو يقفز أو يدور في دوائر حول ذاته في حركات دائرية أو أن يلحس الأرض أو أن يحك نفسه بالأرض والحائط، وهذا سببه الاضطراب الحسي لديه.
التوحدي دائم الحركة وكثير الحركة، وتكون لديهم حساسية مفرطة نحو أشياء معينة كالضوء أو الصوت أو الروائح.
هذه الظاهرة آخذة بالازدياد سنة بعد سنة، لم تكن معروفة من قبل ولم تكن تعالج، ولم يثبت ،حسب الأبحاث، ما إذا كانت هنالك علاقة بين استعمال شبكات التواصل والشاشات ومشاهدتها لساعات طويلة، وبين زيادة تطور مرض التوحد، ولكن المشترك لدى كل التوحديين، حبهم للشاشات والشبكات الاجتماعية وسهولة تعلمهم عن طريق الشاشات، التلفزيون، التلفون وما شابه أكثر.
عن أسباب هذه الظاهرة:
لا توجد اسباب واضحة للأن عن سبب وجود هذه الظاهرة ولكن عدة أسباب مجتمعة ممكن أن تشكل الحالة
جيل الاب، فعمرالأب فوق ال- 45 عاما، لديه احتمال 6 أضعاف لإنجاب ولد توحدي من أب أصغر سنا.
لا يوجد عامل مثبت لدى النساء.
إصابة الذكور بالتوحد أكثر ب - 3 أضعاف من الإناث.
هناك عامل آخر يعتقد أيضا أنه مسبب، إعطاء مسرعات الولادة للأم حين تعسر الولادة، ولكن هذا غير مثبت.
عوامل وراثية
حين يلاحظ الأهل هذه الظاهرة سواء كانوا متأكدين أو لمجرد شك في تصرف غير طبيعي، يجب التوجه لطبيب العائلة بداية، ومن ثم هو سوف يساعد الأهل لما يجب عمله، من أجل التوجه للأجسام الملائمة لملاحقة ومتابعة وتشخيص ومن ثم علاج الحالة علاجا ملائما.
وكان لا بد لنا من لقاء مع أهل لأولاد توحديين مروا في هذه التجربة والطريق الطويلة ، قالت لنا إحدى الأمهات وهي سيدة مثقفة ،(نحتفظ بالأسم)، اكتشفت أن ابنها يعاني من عصبية مفرطة وبكاء طيلة الوقت، ولا يوجد عنده تواصل بصري، في جيل 8 أشهر، وبدأت هي وزوجها الذي أخذ دوره مع الولد وتعاونا معا، وتقول: "وفي جيل الروضة أدخلناه إلى روضة خاصة مهيأة لتكون دفيئة علاجية للتوحديين، بالعناية والعلاج تحسن وضع ابني تحسن كثيرا، واليوم يبلغ 5 سنوات وهو موجود في صف خاص، والأمل اليوم أن يندمج في الصفوف العادية، تقبلنا المشكلة أنا وزوجي واعتبرناها هبة من عند الباري، لا نخجل به نأخذه إلى كل الدورات والبرامج التي من شأنها أن تساعده في العلاج كدورة ركوب الخيل والتعامل مع الحيوانات وما شابه، وضعه كان صعبا ولكنه اليوم وبالعناية والعلاج والاهتمام والحب والحنان والإصغاء والصبر والمصادقة والتقبل تحسن كثيرا". وتقول الأم أنها تعد كتابا عن تجربتها هذه مع ابنها التوحدي ستصدره قريبا.
من المهم الإشارة هنا أن هنالك عباقرة في العالم كانوا توحديين منهم موتسارت، بتهوفن، بخ، آينشتاين، بيل غيتس، فان كوخ، وغيرهم عديدين، وهذا مهم ذكره من أجل معرفة أن هذه الظاهرة كأية ظاهرة أخرى تكون نتيجة خلل وظائفي دماغي يمكن علاجها إذا اكتشفت مبكرا، ومساعدة من توجد لديه، وهذا ليس بمستحيل أبدا.
ملاحظة: العلاج للتوحديين يقصد بها تحسين الأد
المصدر: عرب48