تنفذ الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة حملة مكثفة لمواجهة الزيادة السكانية، التي تقول إنها أحد أهم أسباب ضعف التنمية في البلاد.
وعلى خلاف ما اعتادت عليه الدولة طوال العقود الخمسة الماضية، لم تكتف وسائل إعلام ونواب مقربون من الحكومة بتحفيز المواطنين على تقليل الإنجاب، بل طالبت بمعاقبة من ينجب أكثر من طفلين، وحرمان الطفل الثالث من الدعم الحكومي، مستشهدة بتجارب العديد من الدول التي وصلت إلى سجن المخالفين لسياسة الدولة السكانية.
وبحسب آخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، فإن عدد سكان مصر بلغ عام 2017 نحو 104 ملايين نسمة، في وقت أعلن الحكومة الشهر الجاري أنها تستهدف خفض معدل النمو السكاني من 2.56% عام 2017 إلى 2.1% عام 2022.
"التهام ثمار التنمية"
واعترفت وزارة الصحة، الخميس، بتراجع معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة في عام 2014 إلى 58%، بعد أن كان يبلغ 60% عام 2008، وأكدت رئيسة قطاع تنظيم الأسرة بالوزارة، سحر السنباطي، أن الدولة ستتمكن من الحد من 20% من الأطفال غير المخطط لها إذا تضافرت جهود الحكومة والمجتمع المدني والبرلمان.
وأكدت وزيرة الصحة، هالة زايد، أن الزيادة السكانية تلتهم ثمار التنمية، مشيرة إلى أن حجم الزيادة السنوية تقترب من 2,5 مليون نسمة، وهو ما يستلزم توفير 2500 مدرسة و50 مستشفى جديدا كل عام، وهو ما يستحيل تحقيقه في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
من جانبه، قال وزير الأوقاف، مختار جمعة، إن خطبة الجمعة ستكون عن "مخاطر الزيادة السكانية"، مؤكدا أن هذه المشكلة ستكون على رأس أولويات الوزارة خلال الفترة المقبلة.
"أخطر من الإرهاب"
وفي هذا السياق، طالب إعلاميون ونواب وسياسيون مؤيدون للنظام بإلغاء الدعم على الطفل الثالث؛ للحد من الزيادة السكانية.
ونشرت صحيفة "اليوم السابع"، المقربة من النظام، الأسبوع الماضي، تقريرا أكدت فيه أن حملات التوعية ليست كافية لمواجهة الزيادة السكانية، ملمحة إلى أن الحكومة قد تلجأ لتبني مشروع قانون يعاقب من ينجب الطفل الثالث بالحبس؛ للحد من الزيادة السكانية.
وأشارت الصحيفة إلى تجارب دول أخرى في مواجهة الزيادة السكانية، قائلة إن الصين فرضت على مواطنيها الحصول على رخصة مسبقة لإنجاب الطفل الثاني، وإن الهند قامت بتعقيم جماعي للإناث كطريقة أساسية لمنع الحمل، في حين لجأت اليابان إلى الإجهاض القانوني لتنظيم النسل.
من جهتها، قالت صحيفة "الوطن" إن هناك ثلاث منظمات أممية، هي اليونيسيف وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الصحة العالمية، أعلنت استعدادها للتعاون مع مصر؛ للحد من الزيادة السكانية غير المنضبطة، عبر تقديم الدعم الفني، وتنفيذ برامج ممولة لمواجهتها، وإيجاد تأثير ملموس لها على أرض الواقع.
تنظيم إجباري
وقال عضو مجلس النواب، اللواء أحمد رفعت، إنه يؤيد مشروع قانون منع الدعم عن الطفل الثالث للأسرة، مضيفا، في تصريحات صحفية، أن هناك مواطنين لا يكترثون بمخاطر الزيادة السكانية، ويصرون علي الإنجاب، وليس أمام الدولة سوى إجبارهم على تحديد النسل.
من جانبه، قال النائب بدير عبد العزيز إن من يريد إنجاب أكثر من طفل واحد عليه أن يتولى هو الإنفاق على أسرته، مطالبا بتوجيه الدعم الحكومي لمن يستحق، وليس للفقير الذي يصر على إنجاب مزيد من الأطفال وهو غير قادر على تربيتهم.
لكن النائبة جليلة عثمان قالت إن إلغاء الدعم على الطفل الثالث غير دستوري؛ لأن الدستور ينص علي أحقية جميع المواطنين في الدعم والتعليم والصحة، مؤكدة أن هناك وسائل أخرى لإقناع المواطنين بتنظيم الأسرة بدلا من معاقبة الطفل الثالث الذي لا ذنب له.
"فشل متوارث"
وتعليقا على هذه القضية، استنكر الخبير الاقتصادي، نادر عبد الله، توجه الدولة إلى إصدار قانون يعاقب من ينجب الطفل الثالث، مؤكدا أن المواطنين سيتحايلون على القانون، ولن يمثل رادعا لهم.
وأوضح عبد الله، في تصريحات لـ"عربي21"، أن الحكومات المصرية المتعاقبة فشلت في حل مشكلة الزيادة السكانية؛ لأن السبب الأساسي وراء كثرة الإنجاب هو الفقر والجهل، لافتا إلى أن محافظات الصعيد الفقيرة مسؤولة عن 40% من المواليد سنويا.
وأضاف أن العبرة ليست بعدد سكان الدولة، بل بكيفية الاستفادة من طاقاتهم لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى أن أكبر دول العالم في عدد السكان، مثل الصين والولايات المتحدة وروسيا والبرازيل وماليزيا، هي أكبر الدول من حيث التقدم الاقتصادي، في حين أن دولا تعيش فيها أعداد أقل بكثير من السكان، مثل اليمن والصومال، تعاني أوضاعا اقتصادية واجتماعية مزرية.
ولفت نادر عبد الله إلى أن مواجهة هذه المشكلة يجب أن تسير في خطين متوازيين، الأول رفع كفاءة المواطنين، بحيث يصبحوا عامل إنتاج وليس عبئا على الدولة، وبالتوازي مع ذلك تقوم الدولة بتوعية المواطنين بأهمية تنظيم الأسرة، مشددا على أهمية العدالة في توزيع موارد الدولة، وتحسين الخدمات، وتوفير فرص عمل للمواطنين.