نشرت صحيفة "فيلت" الألمانية تقريرا، تحدثت فيه عن الرجال في منتصف العمر. ويمر أغلب الرجال بأزمة منتصف العمر، حيث تمتلكهم الرغبة في تغيير حياتهم بشكل جذري، حيث يرغبون في تغيير سيارتهم الخاصة، والزواج بامرأة أخرى، بعد أن سئموا من حياتهم الروتينية. ويدخل أغلب الرجال الذين يصلون إلى مرحلة منتصف العمر في أزمة نفسية، حيث يشعرون بالملل والقلق من كل ما يحيط بهم.
ومن المثير للاهتمام أن متوسط أعمار الشعب الألماني يبلغ 80 سنة، أي أن مرحلة منتصف العمر تكون غالبا في سن الأربعين. ويبلغ بيتر شنايدر من العمر 61 سنة. وقد أكد الطبيب النفسي لبيتر أن أغلب من يعانون من تلك الأزمة يأتون إليه في سن الخمسين.
وأفادت الصحيفة بأنه عندما يبلغ الرجال 50 سنة، غالبا ما يصابون باضطراب روحي ويعانون خمولا، كما تطغى الأفكار السلبية على أفكارهم. وقد يتطور ذلك عند بعض الرجال، على غرار شنايدر، لتظهر عليهم أعراض الاكتئاب. وحسب دراسة أجرتها جامعة زيورخ، يعتقد 92 بالمئة من السويسريين أن هناك ما يسمى أزمة منتصف العمر، بينما أكد 71 بالمئة أنهم بالفعل مروا بأزمة منتصف العمر. فهل تعدّ الإصابة بهذه الأزمة أمرا حتميا؟
وأوضحت الصحيفة أن علماء النفس والبيولوجيين لم يجدوا أي دليل على أن هذه الأزمة منتشرة عالميا. كما حاولوا التأكد من أن هذه الفترة من العمر تصاحبها بالفعل تقلبات مزاجية وأزمات نفسية، على غرار فترة الشباب. وفي النهاية، تبنى الباحثون الاعتقاد بأن هذه الأزمة مجرد خرافة، وأن التحديات موجودة في كل فترة من فترات العمر، ولكن ذلك لا يمكن اعتباره أزمة.
وذكرت الصحيفة أن المحلل النفسي الكندي، إليوت جاك، رأى أن أغلب معارفه، الذين كانوا مبدعين في مرحلة الثلاثين والأربعين، أصيبوا بالإحباط بعد الخمسين، وذلك لشعورهم بأن نصف عمرهم قد مضى، وأنهم اقتربوا من الموت. في الأثناء، يدخلون في مرحلة التأمل فيما قدموه في حياتهم، وما وصلوا إليه. وفي تلك اللحظة، يشعرون أنهم مثقلون بالهموم، لتظهر الأزمة الحقيقية. وفي سنة 1965، نشر جاك دراسته عن تلك الأعراض، وأطلق عليها "أزمة منتصف العمر"، ليصبح المصطلح متداولاً حتى وقتنا الحالي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد دراسة جاك بعشر سنوات، أكد العالم النفسي، الأمريكي دانيال جاي ليفينسون، أن سن البلوغ ينقسم إلى مراحل عمرية مختلفة. وغالبا ما تكون المرحلة الانتقالية الحقيقية بين سن 40 و45. ففي تلك المرحلة، يشرع أغلب الأشخاص في التفكير في ماضيهم، ويعد ذلك تحدياً حقيقياً. وأضاف ليفينسون أن التأمل في الماضي سيكون مؤلماً، فبعض الأشخاص سيرون أنهم لم يحققوا أهدافهم في الحياة. في الواقع، لم تكن نظريتا إليوت جاك وليفينسون واقعيتين، فكلتاهما كانت مبنية على مقابلات مع بعض المعارف، ولم ترتكز على حقائق علمية.
في المقابل، أجرى فريق بحثي برئاسة الأستاذة الأكاديمية في علم النفس، نانسي غالامبوس، من جامعة ألبرتا، دراسة مطولة على قرابة 800 مواطن كندي، وتابعوهم في مراحل عمرية مختلفة بداية من سن 18، وقد بدأت متابعة هؤلاء الأشخاص منذ سنة 1985. وفي الورقة البحثية، ذكر الفريق العلمي أن المشاركين في الدراسة كانوا سعداء عندما اقتربوا من سن الخمسين، وبهذا، لا يوجد علميا ما يسمى أزمة منتصف العمر.
وفي السياق ذاته، أكدت دراسة الأستاذة غالامبوس، أن أغلب الرجال الذين خضعوا للدراسة لم يكونوا قلقين إزاء مستقبلهم الوظيفي، ولا بشأن عائلاتهم. كما لم يكونوا خائفين من الموت أو من تقدم العمر، مع العلم أن الشعور باللامبالاة لم يتملك إلا عددا محدودا منهم.
وأبرزت الصحيفة أنه من الناحية البيولوجية، لا يوجد أزمة منتصف العمر، حيث إن التغيرات البيولوجية التي تحدث للإنسان مع تقدمه في العمر يمكنه التغلب عليها، خاصة المرأة. ففي سنة 2015، أجرت أستاذة العلاج النفسي ومعالجة الأمراض النفسية الجسدية في درسدن، كريستين فايدنر، استطلاع رأي طال 1400 امرأة، ممن بدا عليهن بلوغ سن اليأس، وقد سألن عن مشاكلهن النفسية والجسدية، على غرار الاكتئاب والخوف والإحباط. في الحقيقة، كانت أغلب الإجابات متشابهة، على الرغم من أن النساء كن في مراحل عمرية مختلفة، فضلا عن أن بعضهن لم يكن قد بلغ سن اليأس بعد، فضلا عن أن أغلب المشاكل ليس لها علاقة بسن اليأس.
وأوردت الصحيفة أن مستوى هرمون التستوستيرون ينخفض عند الرجال مع الدخول في مرحلة منتصف العمر، ولكنه لا يتسبب في أزمات نفسية، حيث تنخفض نسبة الهرمون بشكل ضئيل وببطء شديد. وحسب ما أكده عالم الغدد الصماء، كريستوف بامبرغر، لا يوجد أي دليل هرموني عند الرجل يؤكد أنه يمر بأزمة منتصف العمر.
وأفاد بامبرغر بأنه بين 10 وحتى 15 بالمئة من الرجال يتعرضون لنقص حاد في هرمون التستوستيرون في منتصف العمر، وينتج عن ذلك عزوف جزئي عن ممارسة الجنس، وتعب عام في الجسم، ويمكن تدارك هذا النقص بالأدوية. بالطبع، نقص هرمون التستوستيرون ليس مسؤولا عن رغبة الرجل في بداية حياته من جديد والعثور على شريكة حياة جديدة. وأضاف عالم الغدد الصماء أن الكثير من مرضاه كانوا في منتصف العمر ولم يعانوا من أزمة، ولم يشعروا أن حياتهم انتهت، حتى فيما يتعلق بالأمور الجنسية.
وأردفت الصحيفة بأنه لا يمكن إنكار وجود أزمة منتصف العمر، وفقا لأستاذة علم النفس التنموي في جامعة زيورخ، ألكساندرا فرويند. ويرجع ذلك إلى أن كل واحد فينا يصادف في محيطه أناس يعانون من أزمة في منتصف عمرهم، حيث تكمن مشاكلهم في التفكير الدائم في تقدمهم في العمر، أو الحصول على سيارة رياضية، أو شريك حياة صغير في السن، ولكنه يظل مقتصرا على الحالات الفردية.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن التفكير الدائم في الأزمات يتسبب في حدوثها بالفعل. لذلك، قد يكون منتصف العمر وقتا مناسبا للتفكير في الماضي وما حققناه. وغالبا، يجتاز العديد منا تلك المرحلة بنجاح دون مواجهة أزمة. في الحقيقة، استطاع بيتر شنايدر التغلب على أزمته وممارسة هوايته القديمة، التصوير، كما قرر التخلي عن عمله الحالي. وسيقوم بيتر بجولة بدراجته النارية في أمريكا الجنوبية، وسيشرع في دراسة الفلسفة.