الرئيسية / ثقافة وأدب
مي وملح/ امجد محمد المالكي
تاريخ النشر: الأربعاء 18/06/2014 13:34
مي وملح/  امجد محمد المالكي
مي وملح/ امجد محمد المالكي

 الجزء الأول 

يوم عادي من ايام الصيف المُحرقة التي تزيدُ ملل الحياة، لا شيء جديد في الطريق المؤدي لمدينة رام الله حتى حاجزُ الاحتلال لم يتغير في عدد الجنود الاربعة الذين يوقفون المارة بلا سببٍ الا أنهم فلسطينيون، فكل فلسطيني تُهمة تسير على الارض ويجب ايقافها كي يتأكدوا أنها لا تؤذي، نحن فايروس اذن يجب ان يعلموا مدى خطورته على اجسادهم.


اشار لنا جنديٌ قصير القامة بيده، يبدوا انه لا يتجوز الثامنة عشرة عاما، ادار السائق محرك المركبة بكل تذمر وهو يلعن الدنيا التي جعلت من ولد يتحكم في مصائر امة، وصلنا الحاجز اخذ الجندي يتفقد المركبة بحذر كبير يداه ممسكتان بسلاحه الذي يعمل بسرعة دقات قلبه، قال بلغة تكاد تفهم "هَويه"، كان السائق قد جمع الهويات مسبقا فهي عادة دارجة، اخذها الجندي ليتفحصها على جهاز حاسوب، امسك بهويةٍ كادت ان تكون كنزاً من شدة ابتسامته، التف الجنود حوله، ثم فتح باب المركبة بشدة" ايفو احمد"، بدأ بتفتشي بشدة وانا لا اعلم ماذا يجري حولي اخذ بمعصمي ووضع قيداً مصنوع من بلاستيك قوي اذا قمت بتحريك يديك بهما زاد ضيقاً، ثم اغمض عيني ووضعني في مركبةٍ عسكرية، وكأن الليل حل مبكراً وغشي عقلي نعاسٌ كبير لم ادرِ ماذا يحدث والى اين انا ذاهب، لا اجابة وانا صامتٌ مع وقعِ ضحكاتهم الصاخبة.


كانت اللحظاتُ التي تمر ببطئ اشبه بسلحفاةٍ تسير على رملٍ حار لا تستطيع التقدمَ الا بجهدٍ كبير، كنت احاول ان اعرف ماذا يحصل، ولماذا انا هنا؟ اخذني التفكيرُ الى طفولتي حتى لحظتي التي انا فيها، لا شيء سوى لانني فلسطيني هكذا كل النتائج كانت تستقر في عقلي، كانت الضحكات المتتالية التي يطلقها جنود الاحتلال بقربي تُوجسُ الخوفَ في قلبي، هل يضحكون علي ام يضحكون على ما سيحدث بي، لا اختلاف في ذلك فنحن شعبٌ مُضحك.


قاطعت مكابح المركبة القوية حبال تفكيري و فجأة اخذ الجنود يتلقفونني كالكرة ويمسكونني بشدة ويضعونني في مركبة اخرى، مضت الساعات وانا مُتَسَمّرٌ في مكاني حتى وصلنا الى مكان ما في ساعةٍ ما، تناولني احد الجنود بقوة وكأنني لستُ انساناً من لحمٍ ودم، ادخلني في دهاليز وهو ممسكٌ بيدي ثم صرخ بشدة والقى الي وقال" تخرك خبيبي تخرك اشلخ اوعيك والبس هاي البدلة".


بدلةٌ فاقعٌ لونها لا شيةَ فيها توجس في قلب مرتديها الخيفة والريبة كأنها بدلةُ الاعدام، وانا اخلع عني ملابسي التي اثقلت جسدي كدت اخلع قلبي من شدةِ الخوف حين تذكرتُ سجن غوانتنامو واسراهُ المرتدون بدلةً بهذا اللون، هل انا هناك ماذا يحصل ربما انا في سجنٍ يشبهه، احسستُ والخطر يحيقُ بي اني على وشك الهلاك، هي مرحلةٌ صعبة تحتاجُ للهدوء ومن فقده سيجبرهُ اليأس على كلِ سوء.


حين انهيتُ ارتداء اللاشيء في واقعٍ مرير يسمى المجهول يتحكم فيه الاحتلال، وضع الجندي قيداً في معصمي وآخر في قدمي لا خشيةَ الهروب لكن طقوساً يتبعها الاحتلالُ في سجونهم المقيته كي يخبرونا ان بلادكم مثلكم مقيدة لا تستطيع التحرك لشيء حتى انقاظكم نحن فقط من يفك تلك القيود ونضعها متى نشاء، كان الشريط الاسود الموضوع على عيني يزيد الكحلَ في الظلام حتى اشتدَ سواده، والفكرة التي تتقلب في رأسي ماذا يحدث؟ 


كانت خطواتي متثاقلة مترنحة كطفلٍ يتدرب على المشي لا يعلم الى اين يسير سوى ان قدميه تتحركان، كان الجندي يخبرني الى اليمين الى اليسار امامكَ درجة، وبعد كد وصلنا الى غرفةٍ ما في مكانٍ ما في وقتٍ ما، اجلسني على الكرسي بكل قوة ثم قامَ بربط يدي وقدمي في الكرسي، احسستُ اني عدتُ الى سنواتي الاولى من الدراسة على كرسيٍ لا يتسع لطفلٍ في السادسة من عمره، ازاح الشريط الاسود عن عيني اخذ بصري يتنقل في المكان، غرفة ضيقة تحوي على مكتبٍ وجهازٍ للحاسوب وشباك تودعني به الشمس الى المغيب، غابت الشمسُ عن فلسطين، ذاكَ الوطن الذي نعيشُ فيه لنصنع البطولة او تصنعنا، وربما نضحكُ على انفسنا بكلمات البطولةِ والنصر فالواقعُ لم يتغير بعد، قاطع تفكيري الجندي ليخبرني بقدوم المحقق بعد قليل.، ثم غادر ليتركَ الخوفَ يلتهمني والتفكير يبتلعني وانا اقول ماذا سيحدث؟

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017