تقرير: لينا لهلبت
بين أزقة البلدة القديمة في مدينة نابلس والتي تدعى دمشق الصغرى، حيث حارة القيسارية التي تقع بالقرب من المجمع الشرقي، تحتضن منجرة آخر صانع للقباقيب التي يكاد صوتها يختفي ليس من نابلس فقط بل من فلسطين بأكملها.
متمسك هو بما ورثه عن والده في حين تواجه هذه المهنة خطر الاندثار في فلسطين، وعند سماعك لصوت القبقاب مباشرةً يخطرعلى ذهنك الفنان السوري درید لحام الشھیر "بغوار الطوشة " في أغنية مسلسل صح النوم "فطوم فطومة "حيث ركزت الأغنية على صوت رنة القبقاب بدلاً من الآلات الموسيقية.
مازال الستيني وليد خضير"أبو خالد" يعمل في مهنة القباقيب، حيث يعتبر آخر صانع للقباقيب في فلسطين، يقول: "أعمل في المهنة منذ 52 سنة، تعلمتها من والدي حين كنت في العاشرة من عمري، ولازلت متمسكاً بها على اعتبارها جزءاً من التراث، وكان القبقاب في القدم الأَكثر استخداماً من قبل الرجال والنساء وكان الإقبال على شرائه كبيراً، وكنا نصنع مئات القباقيب، أما الآن فهو ما قل وندر فأنا اليوم لا أصنع القباقيب إلا للتواصي".
وأما بالنسبة لشهرة القبقاب فكان في العاصمة السورية دمشق، حيث يوجد سوق خاص للقباقبية يعرف بسوق القباقيب، وصناعة القباقيب في نابلس هي موروث دمشقي صغير.
ويتابع خضير: "لم يبق أحد في بلاد الشام يمارس هذه المهنة، فهي في طريق الاندثار إلا في دمشق فصناعتها وإقبال الناس عليها حتى الآن مازال كثيفاً".
في الوقت الراهن السياح والعرب يشترون القباقيب كأنتيكا أو للذكرى قبل مغادرة فلسطين، ويوضح خضير: "لا يزال هناك طلب على القباقيب، خاصة من قبل أهالي أراضي 48، الذين يأخذونه لأمور تراثية، بالإضافة إلى الزبائن من جميع أرجاء فلسطين وخارجها خصوصا دول الخليج، الذين يطلبونه باستمرار ويأتون إِليّ عن طريق الإنترنت، وبعد رؤيتهم للمقابلات التي يجرونها معي في التلفزيون، كوني القباقيبي الوحيد في فلسطين ".
إلى جانب صناعة القباقيب فوقتها لايستغرق نصف الساعة مع أبو خالد، فهو يصنعها من خشب الصنوبر الذي يحتوي مادة صمغيه تحمي من خطر الانزلاق، وتوجد آلات تعمل على نحت النعال، ويحت الخشب شرائح على شكل أسافين ويرسم قدم الإنسان حسب المقياس، وتُزال الزوائد الخارجية من الجانبين، وأخيراً يحف القبقاب ويجلب قطعه من الجلد تثبت على مقدمته بمسامير خاصة، ويدهنه للتجميل.
ويلفت إلى أن سعر القبقاب لا يتجاوز الأربعين شيكل، والذي يميزه أنه مريح للقدم ويدوم طويلاً، ويؤكد خضير: "القبقاب صحي ولا ينقل العدوى من شخص إلى آخر، كذلك فإنه يعمر طويلاً بخلاف الشباشب المصنوعة من الجلد أو البلاستيك، وصحي لمن لديهم مشاكل في القديمين".
ويوضح خضير: "قل شراء القبقاب بسبب كثرة العمارات وقلة البيوت العربية ذات الطابق الواحد، في الماضي كان في كل منزل قباقيب، وكان الشخص يرتدي القبقاب في بيته دون أن يزعج أحد من الجيران، أما الآن ومع وجود العمارات يصبح إزعاج بالنسبة إلى الآخرين".
ولا يزال الزائر لمدينة نابلس يسمع صوت القباقيب خاصة عند اقترابه من جامع البيك، أو من أحد الحمامات التركية التي بقيت تعتمد شراء القبقاب حتى الآن، لتشابهها وعدم وجود قبقاب خاص بالرجل اليمنى أو اليسرى، والذي يميز القباقيب عن الشباشب العادية أن صوته عند المشي فيه نغمة خاصة.
يقول: "صوت القبقاب له هيبة بطقطقته ومنظره جميل وأطهر للحمام، أما الشباشب العادية فهي خرساء لا صوت لها، عندما يكون خمسون زوجاً من الشباشب العادية على الأرض في الحمام فمن أين تعثر على أزواج الشباشب، أما عندما يكون قبقاب فهو أسهل وأكثر أماناَ ".
ويشير ابن عمه أبو لطفي خضير: "أنا كنت أصنع القبقاب بشكل كامل، وكان والدي يعمل في صناعة القباقيب قديماً في مدينة اللد، وتعلمت المهنة على يديه، ونحن عملُنا جميعُه يعتمد على القديم، والزبائن الذين يهتمون بهذه الأُمور يأتون من جميع الأَماكن".
وتقول الستينيه عفاف أبو السعود: "كنا نستخدم القبقاب كثيراً في القدم، وكانت النساء يحضرنه لفتياتهم بقصد المباهاة وجمال صوت طقطقته، أما حين شجار فتيات الحارة مع بعضهم، فكان أفضل سلاح للدفاع عن أنفسهن".
ويقول الشاب أحمد عطوي:" أنه لم ير قبقاب على الطبيعة، فهو يعرفها عن طريق المسلسلات الشامية القديمة فقط".
ومن جانب آخر يمتهن أبو خالد في منجرته صناعة الكراسي الخشبية التقليدية المصنوعة من خشب الصنوبر، ويستغرق عمل كرسي الخشب معه خمس ساعات، وجميع أعماله متميزة بالدقة.
وكان القبقاب قديماً رمزاً للدلع والدلال في الوقت الذي كان الحذاء الأكثر استخداماً بين الناس، حيث كانت النساء يلبسن القبقاب داخل البيت، لأَنه مريحاً في الحركة والعمل، والرجال يلبسونه في الأسواق والأزقة لإتقاء الوحل خلال أيام الشتاء، وعلى رأي المثل "إلي مالو قبقاب مالو عید".