صدر حديثا كتاب شواهد ومشاهد : ثورة 1936 للكاتب عزت أبو الرب، وأقيم حفل اشهارة هذا الأسبوع في بلدته جلبون/شرق جنين، بحضور رسمي وجمع من الاسرة الثقافية في المحافظة.
الكتاب وهو كتيب من 49 صفحة من القطع الصغير بغلاف أمامي يحمل خريطة فلسطين وغلاف خلفي لصورة المسجد الأقصى(المصلى القبلي). ويتكون الكتاب من مقدمة وثلاثة فصول، ثم تعريف بسيرة الراوي الذي اخذت عنه الرواية الشفوية للكتاب.
في المقدمة يذكرنا الكاتب بكثرة الشواهد الوطنية خلال مسيرة النضال الفلسطيني في المئة عام الأخيرة، فيقول: ان الشواهد اكثر من تحصى، تجدها في كل ركن وحارة وسهل وجبل، يشدو بها الفتيان وينام على قصصها الصغار ، وتعمر بها مجالس الكبار، وثورة عام 1936 واحدة من فيض هذه البطولات. ويضيف ان صفحات هذا الكتاب خصها بالتدوين والتوثيق كونها تتعلق في مجملها ببلدته جلبون، وذلك من خلال شهادة حية من أحد رجالاتها الذين عاصروا احداث تلك الثورة وشاركوا بها وهو الحاج نافع الحسن المعروف بالمجبر.
في الفصل الأول يبدأ الكاتب بسرد سيرة حياة الشيخ عز الدين القسام واسرته، ذلك الثائر العربي السوري الذي درس بالأزهر الشريف وعمل بالوعظ والإرشاد، ثم شارك بالثورتين الليبية والسورية ضد الاستعمار الأوروبي الى ان حكم عليه الفرنسيون بالاعدام، فلجأ الى فلسطين وأقام هو واسرته في مدينة حيفا، ومن ثم حصل على الجنسية الفلسطينية. ومن حيفا كانت انطلاقته الثورية ضد الانتداب البريطاني والصهيونية معا.
كما يعرج الكاتب باختصار على تنقلات القسام في المناطق الفلسطينية وخاصة الجبلية منها لبث روح الثورة ضد الانتداب واشعال الثورة المسلحة، مركزا على المنطقة الجبلية الواقعة بين جنين وبيسان. فيقول ان الرصاصة الأولى للثورة انطلقت من تلك الجبال، وبعد انكشاف امره قرر القسام العودة الى حيفا عن طريق احراش يعبد حيث دارت المعركة هناك واستشهد فيها الشيخ عزالدين، ونقل جثمانه الى بلد الشيخ قرب حيفا، ومازال قبره موجود بها.
الفصل الثاني اطلق عليه توطئة واستعرض فيه بايجاز مراحل واشكال الكفاح الفلسطيني. فقد استعرض الكاتب محطات متنوعة من النضال الفلسطيني خلال المئة عام الأخيرة، ابتداء من وعد بلفور حتى مسيرات العودة على حدود قطاع غزة، مذكرا بالانتفاضات والهبات الشعبية، ونشوء المنظمات الفدائية.
اما الفصل الثالث والأخير فخصصه لجوهر العنوان الرئيسي للكتاب مركزا فيه على دور أهالي قريته جلبون في احداث ثورة عام 1936، مع تنويه الى بعض الاحداث الجانيية في القرى المجاورة. فيقول ان مجموعات الكف الأسود خلال الثورة اهتمت بمطاردة سماسرة الأرض في غور بيسان، ويسرد قصة مقتل الزيناتي الذي تمت تصفيته في حيفا. كما تطرق الى زيارة القسام الى جبال فقوعة واجتماعة بالاهالي هناك، واطلاق الرصاصة الأولى للثورة من ذلك الاجتماع.
ويروي معركة بين امرين قرب نابلس ودور فرق النقالة (الإسعاف) في ذلك، مركزا على مشاركة بعض سكان قريته فيها، كما يتعرض لحادثة اخلاء جلبون من السكان، وقصف مزرعتها في غور بيسان المعروفة باسم المجدعة بالطيران. وكذلك يروي معركة بلعا قرب طولكرم ، وكرامات بعض شهداء الثورة الذين دفنوا في بلدته كالشهيد السوري والشهيد الزبيدي اللذان بقيا يقطران الدم بعد أيام من استشهادهما.
ومن الملاحظات على هذا الكتاب رغم الجهد المقدر لكاتبة وللذكرى الطيبة للراوي الأساسي لهذه الشواهد، الا ان الكتاب اعتمد على رواية واحدة فقط، لراوٍ توفاه الله منذ خمسة عشر عاماَ، فهو كحديث الاحاد. فلو تقاطعت هذه الرواية الشفوية مع روايات أخرى شفوية او مكتوبة لكانت اكثر قوة.
اما رواية اجتماع القسام بالفين من أهالي القرى المجاورة فهي رواية جديدة بحاجة الى التحقيق للتأكد من مدى صحتها لسببين الأول ان رحلة القسام كانت سرية، وتحركاته كانت ليلية، والثانية ان عدد الرجال في القرى المذكورة ربما لا يصلوا الى الالفين ولو حضروا جميعا.
كما ان هناك شواهد جرت خلال الثورة لم يأت الكاتب على ذكرها رغم أهميتها ومنها اغتيال الضابط الانجليزي المعروف ب جغب بين قريتي فقوعة وعربونه، وملا تلاها من اعتقالات وهدم للبيوت، وكذلك الشهيد حسين العلي الذي لم يحظ الا بتعريف هامشي رغم دوره وجهده الواضح هو وفصيله في العمل المسلح الذي اوجع الانتداب، حتى اعلنوا عن جائزة لمن يرشد السلطات على مكانه.
مفيد جلغوم: باحث في التاريخ الفلسطيني