عرب ٤٨
تمكّن علماء في علم الأعصاب بجامعة تورنتو الكندية من زرع "ذكريات وهميّة" في أدمغة فئران لم تكن جزءًا من التجارب التي كوّنت هذه الذكريات، بحسب ما كتب العلماء في مقال علمي بمجلة "نيتشر نيروساينس".
وقام العلماء، بحسب رصد موقع "إنترستينغ إنجنيرينغ"، من إجراء هندسة عكسيّة للذاكرة الطبيعيّة عن طريق تحديد الدوائر المسؤولة عن الذاكرة في دماغ فأر تجارب، وبعد ذلك، قام العلماء بزرع "الذاكرة" اصطناعيًا في دماغ فأر آخر لم يمرّ بتلك التجربة، إلا أن الفأر تعامل مع التجربة الوهمية كجزء من ذاكرته.
أمّا ما هي طريقة الزرع الاصطناعيّة، فوفق المجلّة "تم رصد الطريقة التي حُفّزت بها خلايا دماغ الفأر الذي خضع للتجربة، ثم تم تحفيز خلايا دماغ الذي لم يمرّ بالتجربة بنفس الطريقة".
ورغم أن العلماء قالوا إن هذه التجربة ستساهم في خلق ذاكرة جديدة عند الذين يعانون من ضعف في الذاكرة، أو لخلق ذكريات جديدة (وهميّة) عند أصحاب الذكريات المؤلمة، إلا أنّ هذه "الآليّة" تطرح أسئلة أخلاقيّة جديّة حول خلق ذكريات وهميّة لأشخاص لم يكونوا جزءًا منها، وعلى تأثير ذلك لاحقًا، لأنّ الشخص لا يدرك أن الذكريات التي يحملها وهميّة أو لا.
أذ تبيّن هذه التجربة أن الذكريات يُمكن أن تُخلق بشكل مصطنع في غياب أي تجارب حقيقية، عبر استدعاء الذاكرة المزروعة بواسطة حيوان الاختبار وكان لا يمكن تمييزها عن الذاكرة الطبيعية.
كما تُظهر الدراسة أنه يمكن التلاعب بدوائر الدماغ المسؤولة عن الذاكرة، بشكل يمكّنها من الاستجابة للتجارب وتوليد ذكريات مزيّفة.
ولكن من غير الواضح إن كان بإمكان هذه "الآلية" حذف الذكريات السيئّة من ضحايا الحروب والانتهاكات، وعن أخلاقيّة ذلك أصلا.
تفاصيل التجربة:
أخضع فئران المختبر لتجربة حقيقيّة، دُرّبوا خلالها على الرّبط بين رائحة أزهار الكرز وبين صدمة كهربائيّة في أقدامهم، وتعلّمت الفئران أن تتجنّب هذه الصدمة الكهربائيّة عبر المشي في منطقة أخرى في القفص، تنتشر فيها رائحة غير رائحة أزهار الكرز، هي رائحة الكراوية.
وبحسب المجلّة، طعّم العلماء رائحة الكراوية بمادة كيماوية تدعى "كارفون"، بينما جاءت رائحة أزهار الكرز من مادة الأسيتوفينون الكيماوية، التي تنشّط نوعًا معينًا من المستقبِلات المنفصلة عن الخلايا العصبية الحسية الشمية.
ثم استخدم العلماء علم الوراثة الضوئية لتنشيط الخلايا العصبية الشميّة في فئران أخرى لم تخضع للتجربة، وترى هذه الطريقة المعقّدة أن الألياف البصرية المزروعة جراحيًا تحفز خلايا عصبية معينة في المخ عن طريق البروتينات الحساسة للضوء.
في التجارب الأولى، استخدم الباحثون الحيوانات المعدّلة وراثيًا، والتي تنتج فقط البروتينات الحساسة للضوء في الأعصاب الشمية الحساسة للأسيتوفينون.
وقد ربط العلماء بين تحفيز الضوء البصري للأعصاب الشمية الحساسة لللأسيتوفينون لدى الفئران وبين صدمات القدم الكهربائية. ووجدوا أن الفئران تجنّبت، بعد ذلك، رائحة زهر الكرز بمجّرد إعطائها تحفيزًا للضوء - وهذا يشير إلى أنهم عانوا من صدمة القدم الكهربائيّة رغم أنهم لم يتعرّضوا لها!
وأثارت هذه النتيجة إعجاب العلماء: لأنها تبيّن أن الفئران لا تحتاج فعليًا إلى تجربة الرائحة لربطها بصدمة القدم الكهربائية. أي أنه يمكن زرع هذه الذاكرة.
ومع نجاح هذه التجربة، ذهب العلماء خطوة إلى الأمام من أجل صياغة ذاكرة اصطناعية تماما. ومن أجل ذلك، احتاج العلماء إلى إزالة التجربة الفعلية لصدمة الفئران، ونجحوا في ذلك عبر تقنية "هندسة عكسيّة"، إذ لم تتذكر الفئران الأولى أنها مرّت بالتجربة.
والمحصلة كانت كالآتي: فئران خضعت لتجربة حقيقيّة، تم نقل ذاكرتها إلى فئران لم تخضع للتجربة، ثم أزيلت الذاكرة من الفئران التي خضعت للتجربة.