عرب ٤٨
أصدرت "منشورات المتوسط – إيطاليا"، مؤخرا الرواية الأولى للشاعر والصحافي الفلسطينيّ السوري رائد وحش، بعنوان "عام الجليد".
وتدور الرواية حول سبارتكوس، الفتى القرويّ الحالم، الذي وجد نفسه منذ طفولته يعيش في تخيّلاته الخاصة، وعلى خلاف البشر الذين تُنضج التجارب والأيام شخصياتهم وأفكارهم انصبَّ التطوّر على خياله قبل أي شيءٍ آخر، ما أوصله إلى درجة بات فيها سبارتكوس يعيش تجربة الإنسان القديم في الغابات والكهوف بحثًا عن القوت والأمان، ومن ثم تجربة المغامر الذي تُدميه رغبة الاكتشاف، ليصل إلى نوعٍ من التألّه حين يخال نفسه قادرًا على الخلق
حين شبَّ سبارتكوس، اضطر إلى ترك المدرسة وأصدقائه القدامى، خصوصًا وليم والس وراديو، ليُعيل والده المريض مرضًا غريبًا منذ وفاة زوجته. يعمل سبارتكوس حارسًا لمزرعة فاكهة عملاقة، وبين أحضان الطبيعة سوف يضع قوّة خياله اللامحدود في خدمة الأسئلة التي تقلقه: الموت والحياة، الحب والجنس، قربى الكائنات الحية بعضها لبعض، إلى جانب قرابتها كلها للجغرافيا، يرشده في ذلك صديقٌ سريّ يُدعى زمهرير.
خلال الانهماك في عبور محيطات من الأفكار، ومواجهة عواصف من الأسئلة، يبدأ سبارتكوس ببناء تصوّره الخاص عن رحلة الإنسان في هذا العالم، لكنه قبل الوصول إلى إجابات شافية تنشب حربٌ ويكون أولى ضحاياها، كما لو أنّ خياله وطلاقته هدف أساسي من أهدافها. ينسى من كان، وماذا أراد، وتنقلب أحلامه وخيالاته إلى كوابيس، في اليقظة والمنام، ما يأخذه في رحلة مضادة للرحلة التي قضى عمره في مسارها.
"عام الجليد" رواية رمزية تمتزج فيها عوالم فانتازية وفلسفية في قالب حكائي، يسير على إيقاعٍ حالمٍ، لكنه سرعان ما ينكسر ويتحوّل إلى ديستوبيا.
ورائد وحش كاتب وصحافي من فلسطيني سوري، من مواليد دمشق 1981. يقيم في ألمانيا. عمل محررًا في عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية. صدر له في الشعر "لا أحد يحلم كأحد" 2008، و"عندما لم تقع الحرب" 2012، و"مشاة نلتقي.. مشاة نفترق" 2016، وفي النثر "قطعة ناقصة من سماء دمشق" 2015.
من الرواية
بدأت القصة حين رآها في البرية تدخن، وحين رأتْه أخفت سيجارتها، فاقترب منها وطلب منها ألا تخاف فلن يفشي سرّها، وحين حاول الجلوس ليشاركها التدخين نهضت ومضت مسرعةً.
بعد أيام، صار يرمي إليها من وراء سور البيت علب سجائر فاخرة، بينما يرمي عشّاق ذلك الوقت رسائل غرامٍ نارية. بالنسبة لها تلك السجائر رسائل نارية، حقًّا لا مجازًا.
ارتبط إدمان التدخين بإدمانها على رؤيته، وباتت كل سيجارة تدخنها منه تحمل معاني الشوق واللهفة والانتظار، التي يكتبها بخطّ جميل على السجائر، مستعيرًا مقاطع من الأغاني وأبياتًا من شعر الحب، إلى أن جاء اليوم الذي قرأتْ على سيجارات علبةٍ كاملةٍ كلمة "أحبّكِ"، بألوانٍ وخطوط مختلفة، وبعدها صارت تشعر أنها تدخن الكلمات التي يكتبها أكثر مما تدخن السجائر نفسها، لتتذّوق طعم الحبّ في التبغ.
سيجارةٌ بطعم "اشتقت إليكِ"، وأخرى بنكهة "حياتي"، وثالثة بمذاق "أفكّر فيكِ طوال الوقت". تقريبًا دخلتْ كلمات قاموس الحب كلّها إلى صدرها مع التبغ، لكنها احتفظت بسيجارة كتبَ عليها "أريد أن أتزوجكِ" لليلة الدُّخلة، حيث دخَّنَاها معًا بعد مطارحة الغرام الأولى.