ماذا يخطر ببالك عندما تسمع كلمة «تنين»؟ كائن ضخم ينفث النار من فمه، جسمه مغطى بالحراشف ويمتلك غالباً جناحين ضخمين وأطرافاً قصيرة ولونه بين الأحمر والأصفر والبرتقالي… لكن كيف لنا أن نتصور التنانين بهذه الدقة إن لم نشاهد أحدها قط؟
بحسب موقع allthatsinteresting الأمريكي، كانت قصص التنانين حاضرة في أغلب الحضارات الغابرة، وقد نقل أسلافنا صوراً دقيقة لها، بحيث أصبح من السهولة بمكان تخيلها بدقة حتى لو لم نعاصر هذه الوحوش التي لا نعلم إن كانت موجودة حقاً أم لم تكن سوى كائنات أسطورية حيكت حولها القصص والخرافات.
إليكم أهم الحضارات التي كانت التنانين جزءاً أساسياً من حكاياتها، وتفسير العلم لهذه الظاهرة:
من الصين إلى اليابان وفيتنام وأوروبا .. التنين حاضر دائماً
تعتبر الصين من أكثر البلدان التي نسجت قصصاً عن التنانين، فقصص هذه الوحوش الصينية تعود إلى أكثر خمسة آلاف سنة.
وترمز التنانين في المخيلة الصينية إلى السلطة الامبراطورية العظيمة والفأل الحسن.
حيث تعيش تناين الأساطير الصينية في مواطن المياه البعيدة، ورغم أنَّها بلا أجنحة عادة؛ فإنَّ بإمكانها أن تطير.
وأهم من كل شيء، هو أنَّها هي من تأتي بالمطر، وبالتالي بثمار الأرض والمحاصيل.
وفي دائرة البروج الفلكية الصينية التي تستغرق 12 عاماً؛ تُعَدُّ سنوات التنين هي الأكثر يُمناً وذات خيرٍ وفير.
وتحظى التنانين بشعبيةٍ كبيرة في أشكال مثل أزياء الدمى في احتفالات العام الجديد، والقوارب في السباقات الاحتفالية، والزينات المعلقة على المباني، واستخدامات أخرى لا تحصى.
إذ ما تزال التنانين رموزاً حاضرة في الصين الحديثة، كما كانت منذ آلاف السنين.
الصورة المتخيلة عن التنين في الصين انتقلت إلى البلدان الآسيوية الأخرى، خاصة اليابان وفيتنام.
وبالإضافة إلى تنانين العصور الوسطى في أوروبا، تظهر الوحوش الخرافية الشبيهة بالتنانين في الفلكلور عند الهنود الأمريكيين أيضاً بسهول أمريكا الشمالية.
إلى جانب حضارات المايا والأزتيك، في صورة الإله المعروف باسم «الثعبان ذي الريش» أو «كيتزالكواتل» (Quetzalcoatl).
والهند وجيرانها في جنوب آسيا لديهم أيضاً تقاليد التنين القديمة، حتى أنَّ تنيناً يظهر على علم شعب مملكة بوتان الصغيرة التي تقع على الطرف الشرقي من جبال الهيمالايا.
ويمكن لأولئك الذين يتوسعون قليلاً في استخدام تعريف التنانين، العثور على إحداها في أساطير شعب «الإنويت» في مناطق القطب الشمالي بكندا.
في ملاحم الأبطال والأسفار التوراتية .. التنانين حاضرة أيضاً
تعد الملاحم المروية عن حضارات بلاد ما بين النهرين أفضل ما لدينا من كتابات العصور الأولى عن التنانين.
ويرد في النسخة البابلية القديمة من ملحمة جلجامش، أن وحشاً إلهاً في صورة أفعى يطلق عليه «تيامات» يخرج من البحر ليهدد الخلق جميعهم بالعودة إلى فوضى الخلق البدائية، إلى أن قام لتحديه الإله الشاب البطل «مردوخ»، الذي قاتل تيامات وفصل رأسه عن جسده، وتمكن من إنقاذ الكون.
ويتحدث سفر المزامير وسفر أيوب ، عن كيف هزم يهوه إله إسرائيل تنين «اللوياثان»، الذي يظهر في هيئة تتقاطع مع صورة الحوت أو الوحش البحري العملاق والثعبان الضخم.
ثم تظهر نسخاً أخرى مختلفة من قصة الوحش تيامات مرات عديدة، بعد ذلك، في التقاليد الثقافية لشعوب البحر المتوسط وأوروبا.
وتشكل قصص التحدي بين التنانين أو الوحوش المشابهة لها والمخلّص البطولي المنقذ أحد الجوانب الأساسية للأساطير «الغربية» عن التنانين.
حتى أنه في بعض الحالات، ثمة تنين فقط لكي يكون لدى البطل شيء يتحداه ويقتله.
وتشمل الأساطير الإغريقية كذلك عدة معارك مع وحوش على هيئة ثعابين.
فالإله «زيوس» يؤمّن سيطرته على السماء والأرض باستخدام صواعقه لقتل الوحش «تايفون»، وهو مخلوق تنيني ينفث النار، ويملك أرجلاً ثعبانية.
وتتعقب أسطورة تايفون اليونانية خطى قصةٍ سابقة مقتبسة من الحضارات المجاورة، مثل الحيثيون.
istock \ تشير التنانين في أغلب الأساطير إلى الشرسطورة القديس جاورجيوس
ولا يبدو الاختلاف كبيراً في النقلة الصغيرة من أساطير الوحش تيامات والبطل «بيرسيوس» إلى قصة التنين النموذجية في العصور الوسطى، وهي أسطورة القديس جاورجيوس/جرجس والتنين.
وتروي الأسطورة في شكلها الكلاسيكي، قصة التنين الذي ينفث سماً ويروع أهالي بلدة تدعى «سيلين» في ليبيا، والقرابين التي يقدمها أهل البلدة من الحيوانات إلى البشر، لتقع القسمة، في النهاية، على أمير البلاد.
ثم يصادف أن يمر القديس جاورجيوس بالبلدة راكباً حصانه، ليطلعه الناس على محنتهم، فيطرح عليهم قتل التنين مقابل أن يتحول جميع سكان البلدة إلى المسيحية، فيقرّوه على ذلك، ويقتل التنين، لتظهر القصة على جدارية وتستلهمها عدد لا نهائي من اللوحات الأيقونية في العصور الوسطى.
التنانين جزء من اللاوعي الجمعي
قد يتساءل البعض: إن لم تكن التنانين قد وجدت حقاً في الزمان الغابر، فلماذا تم ذكرها في أساطير الأجداد في مختلف بقاع العالم؟
أشار عالم الميثولوجي الأمريكي «جوزيف كامبل»، إلى أن ثمة تجربة داخلية مشتركة يرثها البشر: أو ما يطلق عليه «اللاوعي الجمعي».
وربما يكون رمز التنين أحد تلك الصور الأولية التي يتعرف إليها الناس دون أن يتعلموها.
ويطرح عالم الأنثروبولوجيا «دي إي جونز» في كتابه An Instinct for Dragons، رؤية مفادها أنه على مدى ملايين السنين، انطبع من خلال عملية الانتخاب الطبيعي، لدى أسلافنا من رتبة الرئيسيات، إدراكٌ قبلي بهيئة التنين.
وتقوم نظريته على أساسٍ من أن القرود من فصيلة تتفاعل تلقائياً مع الثعابين، أي غريزياً، وتبدي استجابات مماثلة لصور القطط الكبيرة والطيور الجارحة.
وعلى نحو ذلك، فإنه من بين أسلافنا المشتركين، يعيش الأفراد الذين لديهم نفور غريزي من الأشياء التي بإمكانها قتلنا، لفترة أطول في المتوسط، وينتجون سلالة أكثر.
ويقترح جونز أن التنين يمثل مجموعة من السمات الأساسية للتطور النهائي للعديد من الحيوانات المفترسة: مثل أجنحة الطيور الكبيرة من الجوارح، والفكين والمخالب من القطط الكبيرة، والأجسام الملتوية من الثعابين.
في الوقت نفسه، يشير النقاد إلى أن نظرية جونز تتطلب المزيد من البيانات لإثباتها أو قبولها على نطاق واسع، لكنها مع ذلك نظرية وجيهة إلى حد كبير.
الخلط بين الديناصورات والتنانين
تلقي مؤرخة العلوم الأمريكية «أدريان مايور»، في كتابها The First Fossil Hunters، الضوء على التنانين بوصفها نماذج دراسة بديلة لعلم المتحجّرات الشعبي (paleontology) في النصوص القديمة.
فقد بدأ الناس في العثور على حفريات قبل فترة طويلة من امتلاكهم أي وسيلة لإدراك مفهوم الزمن الجيولوجي، لكن هذا لم يمنعهم من محاولة تفسير ووصف طبيعة اكتشافاتهم المذهلة.
وفي هذا السياق، يمكن لعظمة فخذ باقية من نوع منقرض من الفيلة الأوروبية، أن توحي بافتراضات ونظريات حول مخلوقات عملاقة تشبه الإنسان.
لكن هياكل عظمية في هيئة أكثر اكتمالاً من بقايا الديناصورات أو من جمجمة كثيرة البروز لزرافة من عصور ما قبل التاريخ، يمكن لها أن تقود إلى استنباط تصورٍ عن جسم حيوان يشبه التنين.
وبالتالي فإن التنانين قد خلقت في مخيلة الشعوب نتيجة عدم معرفتهم لحقيقة بقايا الديناصورات التي عثروا عليها في الماضي.