القدس العربي
لعل أكثر ما يميز أفلام الختيار الأمريكي وودي ألن، هو حضور عنصر السيرذاتي في أفلامه غير السيرية، أي أنه لا يكتب – غالباً- فيلماً عن أحداث عاشها، بل يؤلف الأحداث لشخصيات عاشها (أو عايشها)، في مراحله الزمانية المختلفة. ولا يقتصر حضوره، كوودي ألن، في شخصية رئيسية وحسب، بل يتوزع، هذا الحضور، على الشخصيات في الفيلم، على أكثر من شخصية لأكثر من جيل، هذا هو حال فيلمه الأخير، إذ يمكن أن نرى ألن – الذي لم يعد يظهر في أفلامه كممثل- في شخصيتين: الطالب الجامعي الذي تتركه حبيبته، والمخرج السينمائي الذي يرغب بترك فيلمه وقد شارف على إنهائه.
قد يكون العنصر السيرذاتي أهم ما يجمع أفلامه، وإن كانت عموماً متشابهة بشكل يجعل أحدنا، من اللحظات الأولى – من موسيقى الجاز وتداخلها مع المشاهد الأولى العامة للمكان، وقبلها من الخط الطباعي المستخدم دائماً، لعشرات السنين، في الجينيريك – يدرك أنه يشاهد فيلماً لألن، لنقل فيلماً جديداً، إذ أن لألن أسلوباً يتحول بشكل طفيف على نحو «عشري» كما سبق وكتبت، أي كل عشر سنين تقريباً، كأنها نقلات تنويعية (خفيفة) بالأسلوب، وإن تقاربت الموضوعات والشخصيات الألنية، بين موجات لا أقول إنها متلاحقة كأن تطوراً ما يحدث فيها، بل متوازية، فلا حديث عن الجودة هنا، بل عن تغييرات أسلوبية لعل مبررها، مزاجية وودي ألن، التي تهجس، ككوميدي أساساً، من تكرار ما تقدمه، فكما أن الكوميدي يدرك مدى رتابة أن يعيد النكتة على مسامع جمهوره، يدرك ألن المكثر من أفلامه (هذا هو فيلمه الـ49) أن فخ التكرار يحوم حولها، إذ تتشابه موضوعاتها وشخصياتها، لكنه، بحرفة الكوميدي كذلك، وذكاء المؤلف (وحدس الموسيقي، فهو عازف كلارينيت كذلك)، يقدم فيلماً جديداً (ضمن التكرار) لا رتابة فيه، بحكاية جديدة ممتعة، مع المساحة الخطرة التي يلعب في محيطها: أن تكون شخصياته متشابهة من فيلم لآخر، وأن تكون شبيهة له بشكل أو بآخر.